يوم التروية يقع في اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو أحد أيام العشر الفاضلة، التي أقسم بها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم إذ قال: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2]، والعمل فيها أفضل من العمل في غيرها، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : “ما العمل في أيام أفضل منها في هذه (يعني عشر ذي الحجة)، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه، وماله فلم يرجع بشيء”. (رواه البخاري).

ما هو يوم التروية ؟

يوم التروية هو يوم الثامن من ذي الحجة، فيه ينطلق الحجاج إلى منى، ويحرم المتمتع بالحج، أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما، ويبيتون بمنى اتباعا للسنة، ويصلون فيها خمس صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وهذا فجر‌‌ يوم عرفة. وفي يوم التروية يبدأ الحجاج بالاستعداد لهذا النسك العظيم الذي هو مناسك الحج، ويتأهبون فيه للوقوف في غده بين يدي الله الكريم في عرفات، يوم المغفرة والمباهاة والعتق من النيران.

سر تسمية يوم التروية

أما سر تسمية يوم التروية فقد ذكره صاحب كتاب المصباح المنير، قال: “ويوم التروية ثامن ذي الحجة من ذلك؛ لأن الماء كان قليلاً بمنى فكانوا يرتوون من الماء لمِا بعد، وروى البعير الماء يرويه، من باب: رمى حمله فهو راوية، الهاء فيه للمبالغة، ثم أطلقت الراوية على كل دابة يستقى الماء عليها، ومنه يقال: رويت الحديث إذا حملته، ونقلته، ويُعدَّى بالتضعيف، فيقال: رويت زيداً الحديث، ويبنى للمفعول فيقال: روينا الحديث”.

فهذا سبب لتسميته بيوم التروية وهو قوي، وهناك سبب آخر يذكره بعضهم، جاء في الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: “سمي يوم التروية لأن إبراهيم عليه السلام لما أمر بذبح ولده، رأى ليلة التروية، فلما أصبح تروى في نفسه، أي فكر من الصباح إلى الرواح، أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان، فسمي ذلك اليوم ‌يوم ‌التروية.

أهمية يوم التروية في مناسك الحج

ليوم التروية أهمية كبيرة في مناسك الحج إذ هو اليوم الذي يحدد فيه الحجاج سواء القادم منهم من خارج البلد أو المقيم نوع النسك الذي يؤدونه، ويحرم كل واحد منهم يومه، لذلك كان من السنة أن يخطب الإمام الناس في اليوم السابع من ذي الحجة بمكة المكرمة، ويعلم الناس أحكام المناسك، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله إذا كان قبل ‌يوم ‌التروية بيوم خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم” (رواه البيهقي بسند جيد).

ومن أهمية يوم التروية التجهيز للقيام بأعمال الحج والإحرام بها حسب ما يختاره كل حاج من أنواع النسك الثلاثة والتي هي الإفراد والقران والتمتع، ومن التجهيز التوجه إلى منى قبل الزوال استعدادا للركن الأعظم وهو الوقوف بعرفات في اليوم الموالي، لذلك سمي يوم التروية كذلك بيوم النقلة لانتقال الناس من منازلهم بمكة المكرمة إلى منى، ويسن للحاج أنم يبيت بمنى ليلة عرفات.

أن الحاج المتمتع يحرم بالحج من مكانه في مكة المكرمة، ويفعل عند إحرامه ما يفعله عند إحرامه من الميقات من النظافة وإزالة الشعر والاغتسال والطيب، ثم بعد ذلك ينوي الحج ويلبي: لبيك حجًا، لبيك اللَّهم لبيك الخ ويمكن أن يشترط بقوله: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.

يستحب للحاج متمتعًا أو قارنًا أو مفردًا أن يصلى في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ويقصر الصلاة التي تقصر من غير جمع.

ودليل ذلك ما رواه جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي : “فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي  ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية، توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج”. (رواه مسلم).

 قال ابن تيمية: “فإذا كان يوم التروية أحرم وأهلّ بالحج، فيفعل كما فعل عند الميقات، وإن شاء أحرم من مكة، وإن شاء من خارج مكة هذا هو الصواب، وأصحاب النبي  إنما أحرموا كما أمرهم النبي  من البطحاء، والسُّنّة أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه، وكذلك المكي يحرم من أهله”[1].

أهم أعمال يوم التروية للحجاج

1- إذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة استحبّ للذين أحلّوا بعد العمرة، وهم المتمتعون أن يحرموا بالحج ضُحىً من مساكنهم، وكذلك من أراد الحج من أهل مكة، أما القارن والمفرد الذين لم يحلّوا من إحرامهم فهم باقون على إحرامهم الأول.

‌‌2 – يُستحبّ الاغتسال، والتنظّف، والتطيّب، وأن يفعل ما فعل عند إحرامه من الميقات.

‌‌3 – ينوي الحج بقلبه ويلبّي قائلاً: (لبيك حجاً) وإن كان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) (متفق عليه).

وإذا كان حاجاً عن غيره نوى بقلبه ثم قال: لبّيك حجاً عن فلانٍ، أو عن فلانة، أو عن أم فلان إن كانت أنثى، ثم يستمر في التلبية (لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك) (متفق عليه).

‌‌4 – يُستحبّ التوجه إلى منى قبل الزوال، والإكثار من التلبية.

‌‌5 – يصلي بمنى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر قصراً بلا جمع إلا المغرب والفجر فلا يقصران؛ لأن النبي صلَّى بالناس من أهل مكة وغيرهم قصرًا، فلا فرق بين أهل مكة، وغيرهم؛ لأن النبي لم يأمرهم بالإتمام، ولو كان واجباً عليهم لبيّنه لهم[2].

‌‌6 – يُستحبّ للحاج أن يبيت بمنى ليلة عرفة؛ لفعل النبي فإذا صلى الفجر مكث حتى تطلع الشمس[3]، فإذا طلعت سار من منى إلى عرفات ملبيّاً أو مكبّراً، لقول أنس رضي الله عنه: “كان يهلّ منّا المهلّ فلا ينكر عليه ويكبّر منّا المكبّر فلا يُنكر عليه”، وقد أقرّهم النبي على ذلك، لكن الأفضل لزوم التلبية؛ لأن النبي لازمها[4].

الأحاديث النبوية عن يوم التروية

جاء في صحيح البخاري عن عبد العزيز بن رفيع قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه، قلت: أخبرني بشيء عقلته عن النبي أين صلى الظهر والعصر يوم التروية، قال: بمنى، قلت: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطح، ثم قال: افعل كما يفعل أمراؤك.

ووقع في حديث جابر الطويل في صفة الحج: فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. (صحيح مسلم)