ورد في إخراج التاجر زكاته من عين السلعة أم من قيمتها عدة أقوال:
يرى أبو حنيفة والشافعي -في أحد أقواله-: أن التاجر مُخيَّر بين إخراج الزكاة من قيمة السلعة، وبين الإخراج من عَيْنها؛ فإذا كان تاجر ثياب يجوز أن يخرج من الثياب نفسها، كما يجوز أن يُخرج من قيمتها نقودًًا؛ وذلك أن السلعة تجب فيها الزكاة فجاز إخراجها من عينها، كسائر الأموال (المغني:3/31).
وهناك قول ثان للشافعي: أنه يجب الإخراج من العين، ولا يجوز من القيمة (الروضة النووي:2/273).
وقال المزني : إن زكاة العروض من أعيانها لا من أثمانها (بداية المجتهد : 2 / 260).
وقال أحمد والشافعي -في القول الآخر- بوجوب إخراج الزكاة من قيمة السلع لا من عينها؛ لأن النصاب في التجارة معتبر بالقيمة، فكانت الزكاة منها كالعَيْن في سائر الأموال (المغني:2/31، والروضة -المرجع المذكور).
قال في المغني: ولا نسلِّم أن الزكاة وجبت في المال، وإنما وجبت في قيمته (المغني – المرجع نفسه).
وهذا الرأي الأخير هو الذي الراجح نظرًًا لمصلحة الفقير، فإنه يستطيع بالقيمة أن يشترى ما يلزم له، أما عَيْن السلعة فقد لا تنفعه، فقد يكون في غنى عنها، فيحتاج إلى بيعها بثمن بخس، وهذا الرأي هو المتبع.
ويمكن العمل بالرأي الأول في حال واحدة بصفة استثنائية: أن يكون التاجر هو الذي يخرج زكاته بنفسه، ويعلم أن الفقير في حاجة إلى عَيْن السلعة، فقد تحققت منفعته بها، والمسألة دائرة على اعتبار المصلحة وليس فيها نص.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه ما يؤيد هذا الترجيح؛ فقد سئل عن التاجر: هل يجوز أن يخرج قيمة ما وجب عليه من بعض الأصناف عنده؟ فذكر في الجواب عن ذلك أقوالاً:
1- يجوز مطلقًا.
2- لا يجوز مطلقًا.
3- يجوز في بعض الصور للحاجة أو المصلحة الراجحة.
قال: وهذا القول هو أعدل الأقوال؛ فإن كان آخذ الزكاة يريد أن يشتري بها كسوة، فاشترى رب المال له بها كسوة وأعطاه، فقد أحسن إليه وأما إذا قوَّم هو الثياب التي عنده وأعطاها، فقد يقوٍّمها بأكثر من السعر، وقد يأخذ الثياب مَن لا يحتاج إليها، بل يبيعها، فيغرم أجرة المنادي (الدلال) وربما خسرت فيكون في ذلك ضرر على الفقراء” (فتاوى ابن تيمية:1/299).