روى الجماعة أن النبي ـ ﷺ ـ لما بعث معاذ بن جبل ـ رضى الله عنه ـ إلى اليمن قال فيما قال له: “فإن أطاعوك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم”، وروى أبو داود وابن ماجه عن عمران بن حصين أنه استعمل على الصدقة فلما رجع قيل له؛ أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله ـ ﷺ ـ، ووضعناه حيث كنا نضعه، وروى الترمذي وحسَّنه أن أبا جُحيفة قال: قدم علينا مصدِّق رسول الله ـ ﷺ ـ أي عامله على الصدقة، فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا.
استدل الفقهاء بهذه المرويات على أنه يُشرع صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله، واختلفوا في نقلها إلى بلد آخر، بعد إجماعهم على أنه يجوز نقلها إلى مَن يستحقها إذا استغنى أهل بلد الزكاة عنها.
فقال الحنفية: يُكره نقلها، إلا إذا كان النقل إلى قرابة محتاجين؛ لأن في ذلك صلةَ رحم، أو إلى جماعة هم أشد حاجة من فقراء البلد، أو كان النقل أصلح للمسلمين، أو كان من دار حرب إلى دار إسلام، أو كان النقل إلى طالب علم، أو كانت الزكاة معجَّلة قبل أوان وجوبها وهو تمام الحول، ففي جميع هذه الصور لا يكره النقل.
والشافعية قالوا: لا يجوز نقل الزكاة من بلد فيه مستحقُّون إلى بلد آخر، بل يجب صرفها في البلد الذي وجبت فيه على المُزكي بتمام الحول، فإذا لم يوجد مستحقون نُقلت إلى بلد فيه مستحقُّون وحجَّتهم في ذلك حديث معاذ المذكور، والذي ذكره أبو عبيد أن معاذًا قدم من اليمن بعد موت النبي ـ ﷺ ـ فردَّه عمر، ولما بعث إليه بجزء من مال الزكاة لم يقبله وردَّه أكثر من مرة مع بيان معاذ أنه لا يوجد عنده من يأخذها.
والمالكية لا يُجيزون نقلها إلى بلد آخر إلا إذا وقعت به حاجة فيأخذها الإمام ويدفعها إلى المحتاجين، وذلك على سبيل النظر والاجتهاد كما يعبرون.
والحنابلة لا يُجيزون نقلها إلى بلد يبعد مسافة القصر، بل تُصرف في البلد الذي وجبت فيه وما يجاوره فيما دون مسافة القصر.
يقول ابن قدامة الحنبلي: إن خالف ونقلها أجزأتْه في قول أكثر أهل العلم، وإذا كان الشخص في بلد وماله في بلد آخر صُرفت في بلد المال لامتداد نظر المستحقِّين إليه، ولو تفرَّق ماله في عدة بلاد أدى زكاة كل مال في بلده.
وهذا الحكم في زكاة المال، أما في زكاة الفطر فتوزَّع في البلد الذي وجد فيه المزكي حين وجبت عليه؛ لأنها زكاة عن شخصه لا عن ماله.
فإذا وُجد مستحق للزكاة في البلد الذي يعيش فيه صُرفت إليه على رأي الجمهور الفقهاء، ولا يجوز نقلها إلى أقاربه المحتاجين، أما أبو حنيفة فيُجيز النقل للمبرِّرات المذكورة ومنها صلة الرحم، أو شدة الحاجة، ولا مانع من الأخذ برأيه، فهو ينظر إلى المصلحة الراجحة” المغني لابن قدامه ج2 – ص531،532، نيل الأوطار للشوكاني ج4 ص 161.