ينْبغي ألا يُتَابع الميت في كلِّ ما وصَّى به، بل يَعرض ذلك على الشرع، فما أبَاحه فُعِل وما لم يبحه فلا يُفْعل.

يقول الشيخ عطية صقر، من كبار علماء الأزهر الشريف، رحمه الله :

جاء في كتاب ” الأذكار ” للنووي “ص165” حديث رواه البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخلت على أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ يعني وهو مريض فقال: في كَمْ كَفَّنْتُم النبي ـ ـ فقلت: في ثلاثة أثْواب، قال: فِي أيِّ يوم تُوفِّي رسول الله ـ ـ ؟ قالت: يوم الإثنين، قال فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الإثنين، قال أرجو فيما بيني وبين الليل. فنظر إلى ثوب عليه كان يُمَرَّض فيه، به ردْع ـ أثَر ـ من زعفران فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزِيدُوا عليه ثوبين، فكفِّنوني فيها، قلت: إن هذا خَلِقٌ ـ قديم ـ قال؟ إن الحيَّ أحقُّ بالجديد من الميِّت، إما هو للمُهْلة- بِضَمِّ الميم وفتحها وكسرها وسكون الهاء، وهو الصَّديد الذي يَتحلَّل من بَدَن الميت ـ فلم يُتَوَفَّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودُفِنَ قبل أن يُصبح.

ورَوَى البخاري أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال لما جُرِح: إذا أنا قُبِضتُ فاحْملوني، ثم سلِّم وقُلْ ـ لعائشة ـ يستأذن عمر، فإن أذِنَت لي فأَدْخِلوني، وإن ردَّتني رُدُّوني إلى مقابر المسلمين.

وروى مسلم عن عامر بن سعد أبي وقاص قال: قال سعد: أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا، وانصبوا عليَّ اللَّبِن نصبًا، كما صُنع برسول الله .

وروى مسلم أيضًا عن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أنه قال، وهو في سياقة الموت: إذا أنا مِتُّ فلا تَصْحَبُني نائِحة ولا نار، فإذا دَفَنْتُموني فشُنُّوا عليَّ التراب شنًّا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما يُنْحَر جَزُور ويُقَسَّم لحْمُها، حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي، قوله شُنُّوا، روي بالسين المهملة، وبالمعجمة يعنى بالشين، ومعناه صُبُّوه قليلًا قليلًا.

هل يجب تنفيذ وصية الميت

يقول الشيخ عطية صقر، من كبار علماء الأزهر الشريف، رحمه الله : قال النَّوَوي بعد هذه الروايات: وينْبغي ألا يقلَّد الميت ويُتَابع في كلِّ ما وصَّى به، بل يَعرض ذلك على أهل العلم، فما أبَاحوه فُعِل وما لم يبيحوه فلا يُفْعل.

أمثلة على ما يمكن تنفيذه من وصايا الميت

يقول الشيخ عطية صقر، من كبار علماء الأزهر الشريف، رحمه الله : نذكر من ذلك أمثلة:

-فإذا أوصى بأن يُدفَن في موضع من مقابر بلْدته، وذلك الموضع مَعدِن الأخيار يَعني بجوار الصالحين ـ فيَنبغي أن يُحافظ على وصيَّته.

-وإذا أوصى بأن يُصلِّي عليه أجْنبي فهل يُقدَّم في الصلاة على أقارب الميت؟ فيه خلاف للعلماء، والصحيح في مذهبنا أن القريب أولى، لكن إن كان الموصَى له ممَّن يُنْسب إلى الصلاح أو البراعة في العلم مع الصيانة والذكر الحسن استحب للقريب الذي ليس هو في مثل حالة إيثاره، ورعايةً لحق الميت.

-وإذا أوصى بأن يُدفن في تابوت لم تنفذ وصيته، إلا أن تكون الأرض رِخْوة أو نديَّة يحتاج فيها إليه، فتنفذ وصيته.

-وكذلك إذا كان في الأرض سِباع يُخشى أن تأكل الجُثة ولا يَحميها إلا التابوت، ويكون من رأس المال كالكفن.

وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر لا تنفَّذ وصيَّته، فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قال الأكثرون وصرَّح به المحقِّقون، وقيل مكروه، قال الشافعي رحمه الله : إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس، فيُنقل إليها لبركتها.

وإذا أوصى بأن يُدفن تحته مضربة أو مخدّة تحت رأسه أو نحو ذلك لم تنفَّذ وصيته.

وكذلك إذا أوصى بأن يُكفَّن في حرير فإن تكفين الرجال في الحرير حرام، وتكفين النساء فيه مكروه وليس بحرام.

-ولو أوصى بأن يُكفن فيما زاد على عدد الكفن المشروع أو في ثوب لا يَستر البدن لا تنفَّذ وصيَّته.

-ولو أوصى بأن يُقرأ عند قبره أو يُتصدق عنه وغير ذلك من أنواع القرب نُفِّذت، إلا أن يقترن بها ما يمنع الشرع منها بسببه.

-ولو أوصى بأن تؤخَّر جنازته زائدًا عن المشروع لم تُنفذ.

-ولو أوصى بأن يُبنى عليه في مقبرة مسبلة للمسلمين لم تُنفذ.

-ولو أوصى بأن يُبنى عليه في مقبرة للمسلمين لم تُنفَّذ وصيتُه، بل ذلك حرام.