من المعلوم من القرآن الكريم أن الله تعالى يحاسب الناس على أعمالهم ، لا على أعمال غيرهم ، ولو كانوا آباءهم أو أمهاتهم .
والدليل على ذلك قوله تعالى :”من عمل صالحا فلنفسه ، ومن أساء فعليها”.
وقوله سبحانه :”ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى”.
وغير ذلك من الآيات الدالة على ارتباط جزاء الإنسان بعمله.
كما أن الواقع يؤيد هذا ، فقد كان أبو إبراهيم عليه السلام مشركا ، وكان عم النبي مشركا ، وكثير من آباء الصحابة كانوا مشركين ، فما أخذ الله الأنبياء ولا الصحابة بشرك آبائهم وأعمامهم.
كما أن من صفات الله تعالى العدل ، الذي لا يظلم أحدا ، فإن كان الوالد عاصيا، فلماذا يحاسب الابن على عصيان أبيه؟
قال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى :
“أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”:

أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد كما قال ” وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى” . انتهى
ويرى الإمام القرطبي أن عدم المؤاخذة قد تكون في الدنيا ، وقد تكون في الآخرة دون الدنيا ، وذلك إذا ترك العاصي يفعل مايريد دون رادع له .
يقول الإمام القرطبي في تفسير الآية :
ويحتمل أن يكون المراد بهذه الآية في الآخرة ، وكذلك التي قبلها ; فأما التي في الدنيا فقد يؤاخذ فيها بعضهم بجرم بعض ، لا سيما إذا لم ينه الطائعون العاصين ، كما تقدم في حديث أبي بكر في قول : ” عليكم أنفسكم ” [ المائدة : 105 ] . وقوله تعالى : ” واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ” [ الأنفال : 25 ] . ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” [ الرعد : 11 ] . وقالت زينب بنت جحش : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم إذا كثر الخبث ) . قال العلماء : معناه أولاد الزنى . والخبث ( بفتح الباء ) اسم للزنى . فأوجب الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم دية الخطأ على العاقلة حتى لا يطل دم الحر المسلم تعظيما للدماء . وأجمع أهل العلم على ذلك من غير خلاف بينهم في ذلك ; فدل على ما قلناه . وقد يحتمل أن يكون هذا في الدنيا ، في ألا يؤاخذ زيد بفعل عمرو ، وأن كل مباشر لجريمة فعليه مغبتها .

وروى أبو داود عن أبي رمثة قال ; انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي : ( ابنك هذا ) ؟ قال : أي ورب الكعبة . قال : ( حقا ) . قال : أشهد به . قال : فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ضاحكا من ثبت شبهي في أبي ، ومن حلف أبي علي . ثم قال : ( أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه ) . وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ولا تزر وازرة وزر أخرى ” . ولا يعارض ما قلناه أولا بقوله : ” وليحملن أثقالهم ” وأثقالا مع أثقالهم ” [ العنكبوت : 13 ] ; فإن هذا مبين في الآية الأخرى قوله : ” ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم [ النحل : 25 ] . فمن كان إماما في الضلالة ودعا إليها واتبع عليها فإنه يحمل وزر من أضله من غير أن ينقص من وزر المضل شيء.