روى البخاري ومسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “لا تُشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مَسْجِدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى”.
إن حصر شدِّ الرِّحال في هذه الثلاثة لا يمنع شدَّها ـ أي السفر ـ لأي عمل مشروع كالجهاد وطلب العِلْم وابتغاءِ فَضْلِ الله من الرزق وزيارة الإخوان وصِلة الرَّحِم وغيْر ذلك من القُرُبَات، وكل ذلك وَرَدَت به النصوص القويَّة من القرآن والسُّنَّة، وإنما الحصر الوارد في الحديث هو حصر إضافي بالنسبة إلى المساجد بمعنى أن المساجد كلَّها متساوية في فضل الصلاة ما عدا هذه المساجدَ الثلاثة فهي أفضلها، والصلاة فيها يُضاعَفُ ثوابُها، فقد روى أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين أنَّ الصلاة في المسجد الحرام بمكة تَعدِل مائة ألف صلاة فيما سواه، وروى البخاري ومسلم أن الصلاة في مسجد المدينة بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وروى الطبراني وابن خُزَيْمة في صحيحه، والبزَّار بإسناد حسن أن الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة .
ونصَّت رواية أحمد وابن أبي شيبة بسند حسن على أن شدَّ الرِّحَال هو من أجل الصلاة فيها، وذلك لفَضْلها، فعن أبي سعيد الخُدْري مرفوعًا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “لا ينبغي أن تُشدَّ رحَالُها إلى مسجد يُبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى.
ومن أجل هذا يُسنُّ ـ أو على الأقل لا يُمنع ـ السفر إليها وتحمُّل المتاعب البدنية والمالية من أجل الحصول على ثواب الصلاة فيها، أما المساجد الأخرى فلا داعي للسفر وتحمُّل المشقة من أجل الصلاة فيها فقط، بل إن بعض العلماء قال يَحْرُم ذلك “انظر خلاصة الوفا للسمهودي ص 70”. أما الذهاب لزيارة الصالحين أحياءً أو أمواتًا فلا بأس من شدِّ الرِّحَال والسَّفر إليها.