كان المشركون يزْعمون أن الأصنام شُركاء لله في الخلق وفي كل شيء، فتحدَّاهم الله بآيات كثيرة بَيَّنَت أنهم عاجزون لا يَضرون ولا يَنفعون، وعبَّر عنهم بصيغة العقلاء على زعمهم. ومع اعترافهم بأنه لا يَقدر على خلق السموات والأرض وعلى خلق الإنسان إلا الله كما قال سبحانه: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (سورة الزمر: 38) وكما قال (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيزُ العَلِيمُ)(سورة الزخرف:9)، وكما قال ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّي يُؤْفَكُونَ)(سورة الزخرف:87) مع اعترافهم بهذا كانوا يَنسبون إلى الأصنام بعض الأعمال، ويتقرَّبون إليها بالقرابين؛ لتستجيب لما يَطلبون.
وذكر الله سبحانه وتعالى الآية بعد ذكر خلق الإنسان في الأطوار المعروفة، وعبَّر بأحسن الخالقين، وهذه الصيغة المفيدة للتفضيل تبدو منها مشاركة الأصنام لله في الخلق، وهو سبحانه يَزيد عليهم ويُفضِّلهم، لكن صيغة التفضيل تأتي أحيانًا من غير أن تُفيد مشاركة بين المُفضَّل والمفضَّل عليه، وقد مثَّل علماء النحو لذلك بقولهم: العسل أحلي من البصل، فهما لا يَشترِكان أصْلًا في الحلاوة حتى يكون العسل أحْلى، وإنما المعنى: العسل في بابه ونوعه أحلى من البصل في بابه ونوعه.
وتُفيد صيغة “أحسن الخالقين” أيضًا أنه يوجد خالق غير الله، أي فاعل أي شيء ومبتكر لأي شيء ليس له مثال سابق، لكنَّ خلْق الله وإبداع صنعته وانفراده بأشياء لا يَقْدر عليها غيره، تجعله أفضل الخالقين.
وبعد، فإن في مرونة اللغة العربية من حيث معاني الألفاظ ودلالة الأساليب ما يَجعل هذا التعبير مُستَساغًا ومقبولاً بالمعنى اللائق لكل مَن يُوصف به، فكما يُقال مثلًا: الله رب العالمين، يُقال للمالك للعبْد رب العبد، وللمالك: لأي شيء ربه، كما يُطْلق الرَّب على المُربِّى.