في البداية نود الإشارة إلى أن كثيرين أرادوا تجزئة العام والوقوف من طغيان الحياة المادية إلى سعة الروحانيات والمعنويات، فنظر إلى المعاني السامية فوجدها تنسى مع مرور الأيام فجعل لها أياما ترتبط بمناسبات معينة هذه الأيام يحتفلون فيها مرة بالحب، وأخرى بالأم… وهكذا.
وانساق كثير من المسلمين وراء هذه النظرات بالرغم من أن عندهم ما هو أسمى من ذلك، وأعمق فحياتهم كلها لله تعالى، وعنوان الحياة التحاب فيما بينهم. وربما لطغيان الحياة المادية نسي المسلمون ما يجب أن يكونوا عليه من عميق الصلة بالله تعالى وأساسها القائم على الحب.
حب الله ورسوله أسمى الحب:
الحب في الإسلام غير مرتبط بموسم ولا بيوم من أيام العام، وإنما مرتبط بحقيقة ووجود الإنسان نفسه، فالحب موجود كل يوم وليس بدرجة واحدة بل درجات متعددة أسماها حب الله تعالى ويرغب الإسلام فيه، ويحاول إيجاد أقوام يحبون الله تعالى كما ينبغي بشوق وبود تامين يقول الله تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {54} ” المائدة ، ويقول الله تعالى :” وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ {165}” البقرة.
فالحب في الله تعالى أسمى الحب والتنافس فيه على أشده.
ولا أدل على التسامي في الحب من قوله ﷺ :” ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار” متفق عليه.
والمقصد من هذا الحب أن يكون المسلم على صلة دائمة بالله تعالى وأن يكون متعلقا به سبحانه وتعالى طلبا في رجائه وحبا له، مما يجعله دائم الطاعة لا يفكر في المعصية فمن أحب أطاع وعمل بشوق.
حب المسلمين والولاء لهم:
ويأتي بعد ذلك حب المسلمين والولاء لهم فجاء التشريع بالحض على ذلك فجعل اكتمال الإيمان بحبهم ، والحب حق للأخ على أخيه قال رسول الله –ﷺ-:” للمسلم على المسلم ست بالمعروف: يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويتبع جنازته إذا مات، ويحب له ما يحب لنفسه” رواه الترمذي. وقال ﷺ :” ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ولم يعرف حق كبيرنا، وليس منا من غشنا، ولا يكون المؤمن مؤمنا حتى يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه” رواه السيوطي في جامعه وحسنه، فجعل اكتمال الحب بحبك لأخيك ما تحبه لنفسك. وقوله ﷺ:” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” متفق عليه.
ولا أدل على هذه المعاني كلها من قوله تعالى: ” فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ” المائدة. فجعل القوم المرغوب في وجودهم في هذه الحياة قوم يحبون الله تعالى ويلين بعضهم رحمة وحبا لبعض .
وجعل من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله “رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه” مما يدل على عظم الحب في الله تعالى . والأحاديث في ذلك كثيرة والأجر في ذلك أكثر.
المقصد:
1- ربط الحب بالحق الواجب عليك يدل على البذل في أدائه والرغبة في الوفاء به.
2- ربط الحب بالماديات والمعنويات “أن تحب له ما تحب لنفسك” يدل على أكثر من معنى منها عدم الحرص على الدنيا، حب الخير للآخرين، اليقين في أن ما أصابك هو لك لا لغيرك، وبالتالي فحبك الخير لأخيك ينزع من النفس شهوة التملك، وأثرة الذات، وحب النفس.
3- التعلق بالثواب الأخروي في هذه الأمر يجعل الوجهة في الحب ليست المصلحة الدنيوية ولكن ما عند الله تعالى وهو خير وأبقى.
حب الوطن والوفاء له:
وقد يظن البعض أن حب الوطن ليس من الإيمان والحقيقة غير هذا لما يلي:
أولا: ورود أدلة تبين أن للوطن حبا والقلوب بها متعلقة ومنها ما رواه الهندي في كنز العمال حيث يقول النبي –ﷺ:”ويها يا أصيل! دع القلوب تقر” ومنها ما قاله النبي –ﷺ عن مكة:” ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك أخرجه الترمذي، رواه السيوطي.
ثانيا: بنظرة مقاصدية لموضوع الجهاد في سبيل الله تعالى نجد أن من أغراضه حفظ الأوطان، والدفاع عن الظلم، وغير ذلك.
ثالثا: من المقاصد أيضا نجد أن من مهام الإمام أن يدافع عن البلاد والعباد، والسبب الأسمى حرية العبادة، ولن تتحقق إلا بوجود وطن .
فمجرد الدفاع عن الوطن يدلل على حب هذا الوطن والارتباط به، وإلا لأمرنا أن نترك الديار لطمع طامع ونذهب لغيرها لعبادة الله تعالى.
حب الوالدين :
حب الوالدين ليس كأي حب وإنما هو حب من نوع آخر فقد أوصى به الله تعالى حيث جعل سبحانه وتعالى الإحسان لهما قرين العبادة :” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” الإسراء ويقول تعالى:” قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” الأنعام.
فالأمر بالإحسان لهما وجعله قرين العبادة لله تعالى وبعد عدم الشرك به سبحانه يدل على عظم مكانتهما، ولا أدل على ذلك مما يلي:
أولا: حبهما كان سببا في التفريج على أهل الغار الذي سدت الصخرة بابه ولم يكن لهم ملجأ إلا الدعاء بالعمل الصالح.
ثانيا: التوصية بهما دائما يدل على مكانتهما ووجوب حبهما المقرون بالشكر والعرفان.
ثالثا: الذهاب للجهاد في الله تعالى يتوقف في أحد أنواعه على رضاهما “اذهب ففيهما فجاهد”.
فذا كله يدل على عظم المكانة ووجوب البر.
حب الزوجة والولد:
وهو الحب الحلال فلا شك أن العاطفة تجاه الجنس الآخر عاطفة فطرية فكل من الطرفين يحتاج الآخر ويرغب فيه ، والحب الحقيقي لا يتحكم فيه الإنسان فهو شيء فطري يدل على هذا قوله ﷺ : “اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك” رواه أبو داود والترمذي وصححه السيوطي. وجعل الإسلام الزواج طريقا لهذا الحب ومكللا له .
عيد الحب :
عيد الحب ليس من الأعياد الإسلامية، فقصته معروفة ترجع للقس (فالنتين) الذي دافع عن الزواج، حينما أراد الأمير أن يلغيه، وسجن، ووقع في حب ابنة السجان على خلاف ما تقره طقوس الرهبنة، وانتهى الأمر بإعدامه في 14-2- 270م.
وفيما يلي بعض أحكامه:
1- حكم الاحتفال به:
لا يصح احتفال المسلمين بهذه الأعياد لما يلي:
أ- أنها تحمل صبغة عقائدية عند الغرب، فهذا اليوم يقدسون فيه قسا لهم، لمواقفه الشجاعة من وجهة نظرهم.
ب- ما يحدث في هذا العيد من اختلاط لا يقره الشرع.
ت- لسنا بحاجة ليوم للحب فالأصل في ديننا أن كل يوم فيه حب مشروع وبالتالي نتقرب به لله تعالى.
ث- ما يحدث فيه من المفاسد أكثر من الخير.
ج- أنه يؤجج العاطفة لدى الشباب في إطار غير مشروع.
ح- لا حاجة للمسلمين به لأن الأصل فيهم التحاب كل يوم ولكن في إطار يرضي ربهم، وأخلاق تعصمهم من الفتنة.
2- بيع الزهور فيه :
هناك نظرتان في هذا الموضوع:
النظرة الأولى: من ينظر للأصل ويصطحبه فيجيز بيع الزهور لأنها ليست محرمة، من حيث الأصل، وبالتالي فليس هناك ما يمنع شرعا.
النظرة الثانية: من ينظر لبيعها في هذا اليوم على أساس أنه يساعد في نشر ثقافة الغرب، والتشبه بهم، وإحياء أعيادهم، وهذا أمر منكر وبالتالي يحرم بيع الزهور ومن أبرز من فعل ذلك اللجنة الدائمة للإفتاء في فتواها الصادرة في 23/11/1420 هـ برقم ( 21203 ) ، ونصها:” بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه دلت الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة – وعلى ذلك أجمع سلف الأمة – أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط هما : عيد الفطر وعيد الأضحى وما عداهما من الأعياد سواء كانت متعلقة بشخصٍ أو جماعة أو حَدَثٍ أو أي معنى من المعاني فهي أعياد مبتدعة لا يجوز لأهل الإسلام فعلها ولا إقرارها ولا إظهار الفرح بها ولا الإعانة عليها بشيء لأن ذلك من تعدي حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ، وإذا انضاف إلى العيد المخترع كونه من أعياد الكفار فهذا إثم إلى إثم لأن في ذلك تشبهاً بهم ونوع موالاة” واعتبر المفتون أن ذلك يدخل من باب التشبه بالكفار :”وقد نهى الله سبحانه المؤمنين عن التشبه بهم وعن موالاتهم في كتابه العزيز وثبت عن النبي ﷺ أنه قال : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) .
وعيد الحب هو من جنس ما ذكر لأنه من الأعياد الوثنية النصرانية فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعله أو أن يقره أو أن يهنئ، بل الواجب تركه واجتنابه استجابة لله ورسوله وبعداً عن أسباب سخط الله وعقوبته ، كما يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة بأي شيء من أكلٍ أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان أو غير ذلك لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول والله جل وعلا يقول : (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب “.أ.هـ
ونرى أن الاحتفال بهذا العيد لا يجوز شرعا لأنه عيد خالص لغير المسلمين، وإحياؤه في ديار المسلمين تشبه بهم .
أما شراء الزهور وغيره وبيع ذلك فإن كان بغرض الاحتفال بعيد الحب، أو ما يصاحبه من اختلاط غير مشروع فلا يجوز شرعا.
أما مجرد شرائه إن صادف عادة عنده كأن يشتري لزوجته كل يوم أو غير ذلك مما أحل الله تعالى له فلا بأس.