يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي:
الحج هو من ملة إبراهيم عليه السلام، فقد بدأ الحج إلى بيت الله الحرام منذ أمر الله إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيامٍ معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) .
فإبراهيم هو الذي بدأ الحج ولا يمكن أن يتهم إبراهيم بعبادة الأصنام، وهو محطم الأصنام، إبراهيم الذي حطم الأصنام وجعلها جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون وهو صاحب الملة الحنيفية ملة التوحيد (أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين)
بعض الناس يقولون: إن الطواف بالكعبة وتقبيل الحجر الأسود هو من بقايا الوثنية، لا، الحقيقة أن الحجر الأسود هو بداية الطواف، يعني نحن نبدأ الطواف من عند هذا الحجر، والتقبيل عمل رمزي فالحج يتميز بأن فيه اللغة الرمزية، فرمي الجمار مثلاً رمز لمقاومة الشر الذي يتمثل في الشيطان؛ والمسلم يقتدي في هذا بإبراهيم عليه السلام حينما رمى إبليس حينما تعرض له ليثنيه عن ذبح ولده فرماه بالجمار فلذلك نحن حينما نرمي الجمار نتمثل الشر والناس حتى العوام يكادون يتمثلون إبليس “أي كأنهم يرونه” ويقولون هذا إبليس الكبير وإبليس المتوسط وإبليس الصغير، فهذه عملية رمزية، وكذلك تقبيل الحجر الأسود فهو ليس عملاً أساسياً أو عبادة وكما قال الشاعر قديماً:
أمر على الديار ديار ليلى ** أُقبِّل ذا الجدار وذا الجدارَ
وما حب الديار شغفن قلبي ** ولكن حب من سكن الديارَ
الإنسان عندما تأتيه رسالة من عزيز عليه أو من حبيب إليه يقبِّلها فهو لا يقصد الرسالة بحد ذاتها ولكن لأنها تحمل كلام الحبيب.
سيدنا عمر وقف أمام الحجر الأسود وقال له: أيها الحجر إني أقبلك وأنا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك.
بعض المستشرقين يقول: إن المسلمين يعبدون الحجر الأسود، لا، المسلم يقول: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك، وليس بالحجر.
هذا في حين أدخل أهل الجاهلية على الحج بعض الطقوس الوثنية وبعض الأشياء غير المقبولة فكانوا يطوفون عرايا، فجاء الإسلام وقال لا يطوف بالبيت عُريان بعد هذا العام، وهو العام التاسع حينما ذهب سيدنا أبو بكر ورآه سيدنا علي أعلن أبو بكر “لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان” كانوا يقولون “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك” يقصدون بهذا الشريك الأصنام، فجاء الإسلام ومحى هذا وقال “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك” النبي عليه الصلاة والسلام يقول: “أفضل الدعاء دعاء عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”، فهذا يدلنا على أن الإسلام أراد بالحج تثبيت التوحيد لا إدخال طقوس الشرك. فالحمد لله الحج -كما شرعه الإسلام وكما جاء به النبي ﷺ وكما طبقه- محرر من الشرك تماماً والحمد لله رب العالمين.