يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
مسألة اختلاج الأعضاء وكونها سببًا للخير والشر ليست دينية ولا عقلية ، وأما التجربة فلا يثبت بها مثل هذا إلا بالاستقراء المطرد، ولا يكفي في الاستقراء تجربة واحد ؛ إذ يتفق أن يحدث لشخص بعد الاختلاج ما لا يحدث لغيره.
ها أنا ذا رأيت في صغري أرجوزة في دلالة اختلاج أعضاء البدن علق بذهني أبيات منها طالما خطرت في بالي عند الاختلاج فظهر لي كذب الناظم ، منها :
وجفنه الأعلى يرى ما يؤثر وفي شماله بكاء يكثر
وجفنه الأسفل صحة الجسد وفي شماله بكاء لا يحد
على أن رؤية ما يؤثر أو البكاء بعد الاختلاج قد يكون كثيرًا أو يقع نادرًا ولا صلة بينه وبين الاختلاج بسببية ولا علية .
وصفوة القول في الجواب أن هذه المسألة وهمية، ومن ظهر له صدق شيء مما قيل كان واهمًا، وكثيرًا ما يؤثر الاعتقاد في الإنسان تأثيرًا يكون سببًا في حدوث ما يعتقده، فإذا اعتقد عقب اختلاج جفنه الأيسر أنه لا بد أن يحدث له ما يبكيه لا يلبث أن يبكي مما لا يبكي منه لولا وهمه هذا .
وكثيرًا ما يرى الإنسان أمرًا حدث عقب أمر فيتوهم أنه سبب له وما هو في الحقيقة بسبب طبيعي ، ومن هنا نشأ التشاؤم والتطير ؛ ولذلك جعل علماء المنطق القضية الشرطية قسمين : حقيقية واتفاقية ، فالحقيقية ما كان فيها المقدم سببًا وعلة للتالي مثل : إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، والاتفاقية مثل قولهم : إن كان الإنسان ناطقًا فالحمار ناهق، ومن البديهي أن نطق الإنسان ليس سببًا لنهيق الحمار، فعلى المسلم أن يتدبروا ذلك .