يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله- :
العبارة ليست حديثًا ولا أثرًا عن الصحابة ، وهذه الاصطلاحات من المعجزة ، والكرامة ، والولاية قد حدثت بعدهم ، وإنما هي كلمة لبعض المشايخ وافقت هوى الناس ، فتلقوها بالقبول ، وصارت عندهم من قبيل القواعد الدينية ، وسارت بها الأمثال فيما بينهم ، ونحمد الله أننا لم نعدم في شيوخ التصوف والعلم من أنكرها.
ينقل عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني والحليمي من أئمة الأشعرية ، أنهما وافقا المعتزلة على إنكار الكرامات ، وذكر التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى أنه يزداد تعجبه من نسبة إنكارها إلى الأستاذ ( وهو من أساطين أهل السنة والجماعة ) وكذَّب ذلك، ثم قال ما نصه : ( والذي ذكره الرجل في مصنفاته ، أن الكرامات لا تبلغ مبلغ خرق العادة قال: وكل ما جاز تقديره معجزة لنبي ، لا يجوز ظهور مثله كرامة لولي . قال : وإنما مبلغ الكرامات إجابة دعوة ، أو موافاة ماء في بادية في غير موقع المياه ، أو مضاهي ذلك مما ينحط عن خرق العادة ، ثم مع هذا قال إمام الحرمين : من أئمتنا هذا المذهب متروك .
قلت : وليس بالغًا في البشاعة مبلغ مذهب المنكرين للكرامات مطلقا ، بل هو مذهب مفصل بين كرامة وكرامة ، رأى أن ذلك التفصيل هو المميز لها من المعجزات . وقد قال الأستاذ الكبير أبو القاسم القشيري في الرسالة : “إن كثيرًا من المقدورات يعلم اليوم قطعا ، أنه لا يجوز أن تظهر كرامة للأولياء لضرورة أو شبهة ضرورة يعلم ذلك ، فمنها حصول إنسان لا من أبوين وقلب جماد بهيمة أو حيوانا ، وأمثال هذا كثير” . انتهى ، وهو حق لا ريب فيه ، وبه يتضح أن قول من قال : ( ما جاز أن يكون معجزة النبي ، جاز أن يكون كرامة لولي ) ليس على عمومه ، وأن قول من قال : ( لا فارق بين المعجزة والكرامة إلا التحدي ) ليس على وجهه ا هـ . كلام السبكي هنا .
وقال بنفي العموم أيضًا في جوابه عن شبهة القائلين بأنه لو جازت الكرامة لاشتبهت بالمعجزة ، وقال في الكلام على إحياء الموتى نحوه ، ومنه قوله : ( ولا أعتقد الآن أن وليًّا يحيي لنا الشافعي وأبا حنيفة حياة يبقيان معها زمانًا طويلا ، كما عمّرا قبل الوفاة ، بل ولا زمنًا قصيرًا يخالطان فيه الأحياء ، كما خالطاهم قبل الوفاة ) .