لا يكفي لوقوع الطلاق النية فحسب بل لا بد من صدور ذلك بلفظ يدل عليه صراحة أو كناية. والأصل في ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – ﷺ -: “إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به” متفق عليه.
الصيغة الصريحة في الطلاق
هي ما لا تحتمل غير الطلاق، فيقع بها الطلاق من غير حاجة إلى النية حتى لو ادعى المطلق خلافه لم يقبل منه. وصريح الطلاق عند الحنفية والمالكية والحنابلة هو لفظ الطلاق وما تصرف منه غير الأمر والمضارع كأنت طالق ومطلقة وطلقتك ونحو ذلك، وهو عند الشافعية والحنابلة في قول ثلاثة ألفاظ وما تصرف منها وهي الطلاق، والفراق، والسراح.
وأما الكناية: فهي ما يحتمل الطلاق وغيره، ولا يقع بها الطلاق إلا بالنية أو ما يقوم مقامها، وألفاظها كثيرة مختلف فيها بين الفقهاء ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
١ – ظاهرة جلية: وهي الألفاظ الموضوعة للبينونة؛ لأن معنى الطلاق فيها أظهر كأنت بريّة وخليّة وبائن وبتلة ونحو ذلك.
٢ – ظاهرة خفية: وهي الألفاظ الموضوعة للطلقة الواحدة وألفاظها كثيرة نحو الحقي بأهلك، ولا حاجة لي فيك، واستبرئي، ولست لي بامرأة، واعتدي، واخرجي، وأنت واحدة، لا تلزمني، ونحو ذلك.
وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية بعدم وقوع الطلاق بقول المستفتي لزوجته: تغطي عني في حالة غضب ولم يقصد الطلاق، وقول آخر: اذهبي إلى أهلك ولم يقصد الطلاق.
وأفتت بوقوع الطلاق بقول الزوج لزوجته: غطي وجهك، وأرسلي لأهلك يحملون عفشك، وعللت ذلك بأنه كناية إذا وجد معها قرينة إرادة الطلاق وهي قوله: سأرسل لك ورقتك.
شروط الصيغة في الطلاق
يشترط في الصيغة ما يأتي:
القصد: أي قصد النطق باللفظ الصريح أو الكناية فإن سبق لسانه ولم يقصده لم يقع الطلاق، ومن مسائل القصد طلاق الهازل والمكره وفيما يلي بيان حكم كل منهما:
طلاق الهازل واللاعب: لا خلاف بين الفقهاء في وقوع طلاق الهازل واللاعب قال ابن المنذر: “وأجمعوا على أن جد الطلاق وهزله سواء”؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} ، ولحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله – ﷺ – أنه قال: “ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، النكاح والطلاق والرجعة” ، وحديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله – ﷺ -: “من لعب بطلاق أو عتاق فهو كما قال” أي يقع لأن جدهما وهزلهما سواء .
طلاق المكره: لا يخلو الإكراه إما أن يكون بحق أو بغير حق فإن كان بحق فإن الطلاق يقع بغير خلاف، وذلك نحو إكراه الحاكم المولى على الطلاق بعد التربص وعدم الفيئة، وإكراهه الرجلين اللذين زوجهما وليان ولا يعلم السابق منهما على الطلاق ونحو ذلك؛ لأنه قول حمل عليه بحق فصح كإسلام المرتد إذا أكره عليه، ولأنه إنما جاز إكراهه على الطلاق ليقع طلاقه فلو لم يقع لم يحصل المقصود.
وأما الإكراه بغير حق فقد اختلف الفقهاء هل يقع معه الطلاق أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أن المكره لا يقع طلاقه وهو مذهب المالكية الشافعية والحنابلة .
واستدلوا بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي – ﷺ – قال: “إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”، وحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله – ﷺ – يقول: “لا طلاق ولا عتاق في إغلاق” ، والإغلاق هو الإكراه لأن المكره مغلق عليه في أمره ومضيق عليه في تصرفه كما يغلق الباب على الإنسان .
وقد جاءت بذلك عدد من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية منها ذكرت أن طلاق المستفتي زوجته بإكراه من أولياء الزوجة فلا يقع إن أثبت ذلك شرعًا، ومنها ذكرت أن طلاق الرجل بناء على أخذ زوجته بحلقه ومطالبته بطلاقها إن تحقق بذلك إكراه ملجئ فطلاقه لا يقع.