تناول الشيخ رشيد رضا- صاحب تفسير المنار– هذه الفرية في تفسيره، وأجاب عنها بأن نصوص الإنجيل نفسها لا تنفي وصول الوسوسة إلى سيدنا عيسى ، وإن كان- عليه السلام- لم يستجب إليها.

جاء في تفسير المنار :

إن قيل : إن ما فسر به البيضاوي حديث مريم وعيسى يقتضي أن يكونا أفضل من النبي – صلى الله عليه وسلم – أو ممتازين عليه إذ كان يطمع فيه ولم يطمع فيهما ، وهذا ما يشاغب به دعاة النصرانية عوام المسلمين مستدلين بالحديث على تفضيل عيسى على محمد – عليهما الصلاة والسلام – ، أو على أنه فوق البشر .

فالجواب أن كتاب هؤلاء الدعاة حجة عليهم ، ففي الإصحاح الرابع من إنجيل لوقا ما نصه:

” [1] أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئا من الروح القدس وكان يقتاد بالروح في البرية [2] أربعين يوما يجرب من إبليس ، ولم يأكل شيئا في تلك الأيام ولما تمت جاع أخيرا [3] وقال له إبليس إن كنت ابن الله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزا [4] فأجابه يسوع قائلا مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة من الله [5] ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان [6] وقال له إبليس لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن لأنه إلي قد دفع وأنا أعطيه لمن أريد [7] فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع [8] فأجابه يسوع وقال اذهب يا شيطان إنه مكتوب للرب إلهك تسجد ، وإياه وحده تعبد [9] ثم جاء به إلى أورشليم وأقامه على جناح الهيكل وقال له إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل [10] لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك [11] وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك [12] فأجاب يسوع وقال له إنه قيل لا تجرب الرب إلهك [13] ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين ” . اهـ .

فهذا صريح كان يوسوس للمسيح – عليه السلام -حتى يحمله ويأخذه من مكان إلى مكان ، وقصارى الأمر أنه لم يكن يطيعه فيما أمر به من السجود له ، ومن امتحان الرب إلهه (أي إله المسيح) وقوله : (لا تجرب الرب إلهك) يراد به ما ورد في سفر التثنية آخر أسفار التوراة (6 : 16) ومثله قوله : (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان) وقوله : (للرب إلهك تسجد) إلخ . وذلك مما يدل على أنه كان متبعا للتوراة .