كتب الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بحثا ردا على كاتبة، زعمت أن اليهود والنصارى سيدخلون الجنة، لأنهم يوحدون الله، واستدلت فيما ذهبت إليه ببعض الشبهات؛ منها : أن ثمة أحاديث علقت النجاة من النار بشهادة أن لا إله إلا الله فقط، فكتب الشيخ القرضاوي يفند شبهاتها، ويرد عليها، وكان مما قال :-
…………..واعتمدت الكاتبة كذلك على الأحاديث التي جعلت نجاةَ الإنسان وخلاصه في قول “لا إله إلا الله” أي في عدم الشرْك، ولم تذكر شهادة أن محمدًا رسول الله. وذكرت لنا جملة أحاديث صحاح وردت بذلك.
ولسنا نُنكر صحة هذه الأحاديث، ولكنَّنا نُنكر ما فهمتْه منها، فهو فَهْمٌ خاطئ لعدَّة أدلة:
أولها: أن في مقابل هذه الأحاديث أحاديث صحاحًا جَمَّةً أخرى، تشترط الشهادتين للنجاة وقد ذكرنا بعض هذه الأحاديث في موضع آخر. والأمانة العلمية تقتضي أن تَذكر هذه الأحاديث بجانب تلك، لا أن تَنْتَقِي ما يُفيد دعواها، وتَغُضّ الطرْفَ عمَّا يَنْقضها.
وثانيها: أن بعض هذه الأحاديث هو اختصار من الرواة في بعض الروايات، وفيها روايات أخرى تذكر الشهادتينِ جميعًا كما في حديث معاذ، في أن من قال “لا إله إلا الله” دخل الجنة أو حرَّمه الله على النار، أو نحو ذلك، جاء في الروايات في صحيح البخاري بالشهادتين جميعًا، كما رواه في كتاب العلم أنه ـ ﷺ ـ قال له: “ما مِن أحدٍ يشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، صِدْقًا من قلبه، إلا حرَّمه على النار. قال: يا رسول الله، أفلا أخْبرُ به الناس فيَستبشروا؟ قال: إذنْ يَتَّكِلُوا” وأخبر بها معاذ عند موته تأثُّمًا. (انظر فتح الباري ج1/ 300، 301 الطبعة السلفية حديث 128).
وثالثها: أن العلماء بيَّنوا السرَّ في هذا الاختصار، فذكروا في حديث “مَن قال: “لا إله إلا الله” دخل الجنة” قالوا: والمرادُ: مع قوله: “محمد رسول الله” لكن قد يُكتفي بالجزء الأول من كلمتي الشهادة؛ لأنه صار شعارًا لمجموعهما. (فتح الباري ج1/ 258).
ورابعها: أن هذا الاختصار على شهادة التوحيد “أن لا إله إلا الله” أو على ترك الشرْك “مَن لَقِيَ اللهَ لا يُشْرِكُ بهِ شَيْئًا” ـ لا يُفيد الكاتبة فيما تدَّعِيه للمسيحيين من صحة إيمانهم وأنهم من أهل التوحيد، أو أهل “لا إله إلا الله” إذ إن أهل هذه الكلمة هم أمَّة محمد وحدهم، أما المسيحيون فقد قال الله ـ تعالى ـ في شأنهم: (اتَّخَذُوا أحبارَهمْ ورُهْبانَهُمْ أرْبابًا مِن دُونِ اللهِ والمسيحَ ابنَ مريمَ وما أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا واحدًا لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عمَّا يُشْرِكُونَ). (التوبة: 31). نسبهم الله صراحة إلى الشرك، وإنْ لم يُسموا “المشركين” تَمييزًا لهم عن عبَدة الأوثان.
والمسيحيون معروفون أنهم من أهل التثليث، وأهل تَأْلِيهِ المسيح، لا أهل التوحيد، ومن أجل هذا، حكم القرآن عليهم بالكفر، كما في قوله ـ تعالى ـ: (لقدْ كَفَرَ الذينَ قالُوا إنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ …). (المائدة: 72). (لقدْ كَفَرَ الذينَ قالُوا إنَّ اللهَ ثالثُ ثلاثةٍ وما مِنْ إلهٍ إلاَّ إلهٌ واحدٌ). (المائدة: 73).
ولهذا كان يختم الرسول ـ ﷺ ـ دعوته إلى مُلوك النصارى وأمرائهم بالآية الكريمة: (يا أهلَ الكتابِ تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننَا وبينكم ألاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللهِ ولا نُشركَ به شيئًا ولا يَتَّخِذَ بعضُنَا أرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فإنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). (آل عمران: 64).
ووجهَّ القرآن إليهم هذا النداء الصريح: (يا أهلَ الكتابِ لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ ولا تَقُولُوا علَى اللهِ إلاَّ الحقَّ إنَّما المسيحُ عيسى ابنُ مَريمَ رسولُ اللهِ وكَلمتُهُ ألْقَاهَا إلَى مَريمَ ورُوحٌ منهُ فآمِنُوا باللهِ ورُسُلِهِ ولا تَقُولُوا ثلاثةٌ انْتَهُوا خيرًا لكمْ إنَّما اللهُ إلهٌ واحدٌ سُبْحانَهُ أنْ يَكونَ لهُ وَلَدٌ له ما في السمواتِ وما في الأرضِ وكفَى بِاللهِ وَكِيلاً). (النساء: 171).