يقول الدكتور أحمد بن عبد الرحمن الرشيد – عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-
قد ثبت أن النبي -ﷺ- قال: “وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل” متفق عليه من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- [صحيح البخاري (235)، وصحيح مسلم (521)]، ولذلك ذهب أهل العلم كافةً إلى أن الأصل جواز الصلاة في أي جزءٍ من الأرض، إلا ما استثناه الشارع بحديث صحيح.
وعليه فإنه لا حرج في الصلاة في مسجد يقع إلى جانبه مقبرة، إذا كان المسجد منفصلاً تماماً عن المقبرة، ولكل منهما بناءٌ خاص به متميزٌ عن الآخر، وهكذا كان المسلمون قديماً وحديثاً، فإن كثيراً من مساجدهم تقع بجانب مقابرهم؛ تسهيلاً عليهم في حمل موتاهم ودفنهم بعد الصلاة عليهم.
ما حكم بناء المساجد على القبور:
المحذور في هذا الباب أن يكون المسجد داخل المقبرة، أو يكون القبر داخل المسجد، فإن كان المسجد داخل المقبرة وجب هدم المسجد؛ لأنه بني في موضع لا يجوز بناؤه فيه، وإن كان القبر داخل المسجد، فإن كان القبر هو الأسبق وجب هدم المسجد؛ لما سبق ذكره، وإن كان المسجد هو الأسبق وجبت إزالة القبر؛ لأنه وضع في مكان لا يجوز وضعه فيه.
هل يجوز الصلاة في مسجد مبني على مقبرة:
وعلى كلٍّ فإن الصلاة لا تجوز في المساجد المبنية على القبور؛ لما ثبت من نهيه – ﷺ – عن بناء المساجد على القبور، بل هو من آخر وصاياه عليه الصلاة والسلام، كما ثبت في الحديث المتفق عليه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله -ﷺ- في مرضه الذي لم يقم منه: “لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت: ولولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه خشي أن يُتَخَذَ مسجداً. صحيح البخاري (1390)، وصحيح مسلم (529). وثبت عند مسلم (532) من حديث جندب -رضي الله عنه- أن الرسول –ﷺ- قال: “ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك”.
هل تجوز الصلاة في المسجد الذي بجواره قبر:
لما سبق فإن الصلاة في مسجد يقع بجانبه مقبرة لا حرج فيه إذا كان لكل منهما مبنى منفصل تماماً عن الآخر، إلا أن كثيراً من أهل العلم اشترطوا في ذلك ألا تكون المقبرة في قبلة المسجد ملاصقة له، فإن كانت المقبرة في قبلة المسجد لم تجز الصلاة فيه؛ لما ثبت عند مسلم (970) من حديث أبي مرثد الغنوي -رضي الله عنه- أن الرسول –ﷺ- قال: (لا تصلوا إلى القبور).
وعموماً فإن المحققين من أهل العلم يشددون في مثل هذه المسائل؛ حمايةً لجناب التوحيد، ولأن ذلك ذريعةٌ واضحةٌ للشرك، كما حصل عند كثيرٍ من الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة.