يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
روى أحمد والشيخان وأصحاب السنن الثلاثة من حديث ابن عباس أن النبي ﷺ قال في الشاة الميتة : ( هلا انتفعتم بجلدها ) , وهذا اللفظ للبخاري ، وفي رواية أخرى له ( هلاّ استمتعتم بإهابها ) والإهاب ( ككتاب ) الجلد , أو ما لم يُدْبَغْ منه كما في القاموس . ولفظ أحمد ومسلم وغيرهما: ( هلاّ أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به ) , فقالوا : إنها ميتة ، فقال : ( إنما حرم أكلها ) .
وذكر الدباغ بيان لطريق الانتفاع وليس فيه حصر ، وفي لفظ لأحمد : إن داجنا-وهي شاة تربى في البيوت- لميمونة ماتت , فقال رسول الله – ﷺ – : ( ألا انتفعتم بإهابها ، ألا دبغتموه ، فإنه ذكاته ) أي : إن الدباغ مطهر كالذكاة . ولا ينافي هذا جواز الانتفاع بالإهاب غير المدبوغ كما تدل عليه الرواية المطلقة . وروى مالك و أبو داود والنسائي و ابن حبان من حديث ميمونة أن رسول الله – ﷺ – مرّ به رجال يجزون شاة لهم مثل الحمار ، فقال : ( لو أخذتم إهابها ) فقالوا : إنها ميتة , فقال ( يطهرها الماء والقرظ )-وهو شيء يدبغ به- ، صحَّحَه ابن السكن و الحافظ . ولعَلّ هؤلاء لو اكتفوا بأمره إياهم بأخذ إهاب الميتة والانتفاع به لَكَفَاهم , ولم يذكر لهم غيره وحَسْبُك بعبارة الحصر في قوله : ( إنما حرم أكلها ) أي : لا الانتفاع بها .
وحديث : ( لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ) ؛ قد أعلّ بالاضطراب والإرسال ؛ فلا يعارض هذه الأحاديث الصحيحة , ولا ينسخها . ولا يعارضها ما ورد في النهي عن شحوم الميتة ، فإنها مما يؤكل فسُدَّتْ الذريعة إليه . وأمثل ما قيل في النهي عن استعمال جلود السباع أنها مدعاة القسوة والكبر .
هذا، وإن المراد بالتنزّه عن النجاسة هو أن يكون المؤمن طاهرًا نظيفًا بعيدًا عن الأقذار , وما فيها من المهانة والمضارّ ، ولذلك كان الدباغ مطهرًا ؛ لأنه يزيل العفونة والرطوبة التي ينتن بها الجلد ، فكل ما يزيل ذلك فهو دباغ مطهر ، والذين يشترون جلود الميتة لا يتركونها بغير دباغ ولا معالجة حتى تفسد عليهم بل يعالجونها حتى ينتفعوا بها ، فالذي أراه وأعتقده أن التجارة بهذه الجلود جائزٌ شرعًا, لا إثْمَ فيه ولا حرج .