تجب صدقة الفطر على كل مسلم، وهي تسمى عند الفقهاء بزكاة الرءوس ، ويخرجها الرجل عن كل من يعولهم ، ولا يشترط لوجوبها ملك النصاب على الراجح من أقوال العلماء ، بل يكفي أن يكون الرجل فيها مالكا لقوت يومه . .
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة ـ أستاذ الشريعة ـ فلسطين: .
صدقة الفطر فريضة عند جمهور أهل العلم لما ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين ) رواه البخاري ومسلم .
وقد صرح جماعة من السلف بفرضيتها كما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية وعطاء وابن سيرين بل إن ابن المنذر قد نقل الإجماع على فرضيتها . ولكن في نقله الإجماع نظر . . وقال الشوكاني :[ ( قوله فرض ) فيه دليل على أن صدقة الفطر من الفرائض وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك ، ولكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرضية ] نيل الأوطار .
وتجب صدقة الفطر على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى صغيراً كان أو كبيراً عبداً كان أو حراً ويخرجها الزوج عن زوجته وأولاده ومن يمونهم من أقاربه كأمه التي تعيش معه أو أخته التي تعيش معه . وقد ورد في الحديث من قوله ﷺ :( أمر الله بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون ) رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما . وقال الألباني حديث حسن . انظر إرواء الغليل .
وتجب صدقة الفطر على من ملك قوته وقوت عياله وقوت من يمونهم ليلة العيد ويومها ؛ لأن صدقة الفطر تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان أو طلوع فجر يوم عيد الفطر على خلاف بين أهل العلم ولا يشترط لوجوبها ملك النصاب على الراجح من أقوال العلماء.
قال الخرقي الحنبلي :[ وإذا كان عنده فضل عن قوت يومه وليلته ] وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً عبارة الخرقي :[ وجملة ذلك أن صدقة الفطر واجبة على من قدر عليها ولا يعتبر في وجوبها نصاب وبهذا قال أبو هريرة وأبو العالية والشعبي وعطاء وابن سيرين والزهري ومالك وابن المبارك والشافعي وأبو ثور وقال أصحاب الرأي: لا تجب إلا على من يملك مائتي درهم أو ما قيمته نصاب فاضل عن مسكنه لقول رسول الله ﷺ :( لا صدقة إلا عن ظهر غنىً ) والفقير لا غنى له فلا تجب عليه ولأنه تحل له الصدقة فلا تجب عليه كمن لا يقدر عليها .
ولنا : ما روى ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه : أن رسول الله ﷺ قال :( أدوا صدقة الفطر صاعاً من قمح أو قال بر عن كل إنسان صغير أو كبير حر أو مملوك غني أو فقير ذكر أو أنثى أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى ) وفي رواية أبي داود :( صاع من بر أو قمح عن كل اثنين ) ولأنه حق مال لا يزيد بزيادة المال . فلا يعتبر وجوب النصاب فيه كالكفارة ولا يمتنع أن يؤخذ منه ويعطى لمن وجب عليه العشر والذي قاسوا عليه عاجز فلا يصح القياس عليه وحديثهم محمول على زكاة المال ] المغني .
وحديث عبد الله بن ثعلبة الذي ذكره الشيخ ابن قدامة المقدسي رواه أبو داود وأحمد والبيهقي وذكر الشيخ الألباني أصل الحديث في السلسلة الصحيحة.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني :[ واستدل بقوله في حديث ابن عباس ” طهرة للصائم ” على أنها تجب على الفقير كما تجب على الغني وقد ورد ذلك صريحاً في حديث أبي هريرة عند أحمد وفي حديث ثعلبة بن أبي صعير عند الدار قطني وعن الحنفية لا تجب إلا على من ملك نصاباً ومقتضاه أنها لا تجب على الفقير على قاعدتهم في الفرق بين الغني والفقير واستدل لهم بحديث أبي هريرة المتقدم ” لا صدقة إلا عن ظهر غنى ” واشترط الشافعي ومن تبعه أن يكون ذلك فاضلاً عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته . وقال ابن بزيزة : لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها لأنها زكاة بدنية لا مالية ] فتح الباري.
وقال الإمام النووي :[ فرع في مذاهب العلماء في ضبط اليسار الذي تجب به الفطرة ذكرنا أن مذهبنا أنه يشترط أن يملك فاضلاً عن قوته وقوت من يلزمه نفقته ليلة العيد ويومه حكاه العبدري عن أبي هريرة وعطاء والشعبي وابن سيرين وأبي العالية والزهري ومالك وابن المبارك وأحمد وأبي ثور وقال أبو حنيفة لا تجب إلا على من يملك نصاباً من الذهب أو الفضة أو ما قيمته نصاب فاضلاً عن مسكنه وأثاثه الذي لا بد منه قال العبدري ولا يحفظ هذا عن أحد غير أبي حنيفة ] المجموع.
وقد اشترط الحنفية ملك النصاب لوجوب صدقة الفطر وقولهم مرجوح وما احتجوا به من أدلة فغير مسلم عند المحققين من أهل العلم قال الشوكاني :[ قد اختلف في القَدْر الذي يعتبر ملكه لمن تلزمه الفطرة فقال الهادي والقاسم وأحد قولي المؤيد بالله أنه يعتبر أن يملك قوت عشرة أيام فاضلاً عما استثني للفقير وغير الفطرة لما أخرجه أبو داود في حديث ابن أبي صعير عن أبيه في رواية بزيادة ” غني أو فقير ” بعد ” حر أو عبد ” ويجاب عن هذا الدليل بأنه وإن أفاد عدم اعتبار الغنى الشرعي فلا يفيد اعتبار ملك قوت عشر . وقال زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه إنه يعتبر أن يكون المخرج غنياً غنىً شرعياً واستدل لهم في البحر بقوله ﷺ :( إنما الصدقة ما كانت عن ظهر غنى ) وبالقياس على زكاة المال .
ويجاب بأن الحديث لا يفيد المطلوب؛ لأنه بلفظ ( خير الصدقة ما كان على ظهر غنىً ) كما أخرجه أبو داود ومعارض أيضاً بما أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعاً :( أفضل الصدقة جهد المقل ) وما أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامه مرفوعاً ( أفضل الصدقة سر إلى فقير وجهد من مقل ) وفسره في النهاية بقدر ما يحتمل حال قليل المال . وما أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم،وقال : على شرط مسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :( سبق درهم مائة ألف درهم فقال رجل : وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال : رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به فهذا تصدق بنصف ماله ) الحديث .
وأما الاستدلال بالقياس فغير صحيح لأنه قياس مع الفارق إذ وجوب الفطرة متعلق بالأبدان والزكاة بالأموال . وقال مالك والشافعي وعطاء وأحمد بن حنبل وإسحق والمؤيد بالله في أحد قوليه : إنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكاً لقوت يوم وليلة لما تقدم من أنها طهرة للصائم . ولا فرق بين الغني والفقير في ذلك ويؤيد ذلك ما تقدم من تفسيره ﷺ من لا يحل له السؤال بمن يملك ما يغديه ويعشيه وهذا هو الحق ؛لأن النصوص أطلقت، ولم تخص غنياً ولا فقيراً، ولا مجال للاجتهاد في تعيين المقدار الذي يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكاً له لا سيما العلة التي شرعت لها الفطرة موجودة في الغني والفقير، وهي التطهر من اللغو والرفث واعتبار كونه واجداً لقوت يوم وليلة أمر لا بد منه لأن المقصود من شرع الفطرة إغناء الفقراء في ذلك اليوم كما أخرجه البيهقي والدار قطني عن ابن عمر قال ( فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر وقال : أغنوهم في هذا اليوم ) وفي رواية للبيهقي ( أغنوهم عن طواف هذا اليوم ) وأخرجه أيضاً ابن سعد في الطبقات من حديث عائشة وأبي سعيد، فلو لم يعتبر في حق المخرج ذلك لكان ممن أمرنا بإغنائه في ذلك اليوم لا من المأمورين إخراج الفطرة وإغناء غيره، وبهذا يندفع ما اعترض به صاحب البحر عن أهل هذه المقالة من أنه يلزمهم إيجاب الفطرة على من لم يملك إلا دون قوت اليوم ولا قائل به ] نيل الأوطار .
وقال الشيخ القرضاوي :[ والذي أراه أن للشارع هدفاً أخلاقياً تربوياً – وراء الهدف المالي – من فرض هذه الزكاة على كل مسلم غني أو فقير ذلك هو تدريب المسلم على الإنفاق في الضراء كما ينفق في السراء والبذل في العسر كما يبذل في اليسر ومن صفات المتقين التي ذكرها القرآن أنهم (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ) .
وبهذا يتعلم المسلم وإن كان فقير المال رقيق الحال أن تكون يده هي العليا وأن يذوق لذة الإعطاء والإفضال على غيره ولو كان ذلك يوماً في كل عام . ولهذا أرجح مذهب الجمهور الذين لم يشترطوا لوجوب هذه الزكاة ملك النصاب ] فقه الزكاة .
وخلاصة الأمر أنه لا يشترط ملك النصاب لوجوب صدقة الفطر بل تجب على من ملك قوته وقوت عياله .