اليانصيب محرم لأنه من الميسر ، والمَيْسِر هو الحصول على ربح من غير عمل في سبيله ، من هنا كان اليانصيب محرّمًا لأن به غرر وجهالة فاحشة ويدفع إلى التواكل ، والحقد .

يقول الدكتور محمد البهي – رحمه الله-:

جاء النهي عن “الميسر” أو القِمار، في صحبة النهي عن الخمر، في قول الله ـ تعالى ـ: (يَا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ والمَيْسِرُ والأَنْصَابُ “أي الأصنام المنصوبة للعبادة” والأَزْلامُ “وهى الأقداح التي كان يعرَف بها ما قُسِم لهم” رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحونَ. إنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ العَداوةَ والبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ والمَيْسِرِ ويَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وعَنْ الصّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهونَ) (المائدة: 90 ـ 91).

فوصفت الآية الأولى من هاتين الآيتين الخمرَ والميسر بأنهما نَجَس، والنَّجس يجب الابتعاد عنه، وبأنها من عمل الشيطان، وعمل الشيطان يجب أن لا يستهوي المؤمن بالله ، وبالتالي يجب الحذر منه ، ثم طلبت صراحة تجنب أي منهما فقالت : (فاجْتنِبوه لعلَّكم تُفلِحون) ، فالآية شدّدت في النهي عن الخمر والميسر، وأكّدت ثلاث مرات.

وأما الآية الثانية من هاتين الآيتين فزادت تأكيدًا رابعًا في النهي عن الخمر والميسر، فوضحت نتائجها السيئة على المجتمع فذكرت أنهما يسبِّبان العداوة والبغضاء والخصومة بين الأفراد: في الأسرة وفى الجوار ، وفى علاقات الأقرَبين والأصدقاء ، وفى علاقات الآخرين معهم.. كما وضَّحت أثرَهما في سلوك الفرد ، إذ يَحُولان دون ذكر الله، ودون أداء الصلاة والعبادات الأخرى.. يَتْبَع هواه وشيطانه. ومَن يتّبع الهوى لا يستقيم في سلوكه، ولا يؤمن جانبه. وعندئذٍ يصبح عضوًا فاسدًا في مجتمعه.

ومضمون هاتين الآيتين بالنسبة “للميسر” أنه:

1ـ  نجس، ونجاسته هي نجاسة معنوية، والقصد من الوصف بالنجس: التنفير من مباشرته.

2ـ وأنه من عمل الشيطان. وعمل الشيطان هو كل عمل غير مستقيم ولا ينطوي إلا على ضرَر للشخص أو للآخرين.

3 ـ وهو مصدر للفُرقة والعداوة، ودافع إلى الانحراف والفساد. ومن أجل ذلك كله كان حرامًا.

والمَيْسِر هو الحصول على ربح من غير عمل في سبيله. والشائع عند العرب من الميسر هو اللعب بالسهام المرقَّمة. فكانت توضع السهام بعد ترقيمها في جَعبة، وكان بعضها أسود لا يحمل رَقْمًا، بينما يحمل البعض الآخر منها ثمنًا قليلاً، أو كثيرًا. ثم تسحَب الأسهم. فمَن يخرج سهمه أسود لا يعطى شيئًا، ومَن خرج سهمه يحمل رَقْمًا معينًا حصل من الربح بقدر الرقم المكتوب على سهمه. ويُشبه الميسر ورقُ اليانصيب اليوم. والحرمة التي جاءت في شأن الميسر أيام العرب تنسحب كذلك على اليانصيب الذي يتداول اليوم في بلاد المسلمين، نقلاً عن الغربيّين.

إن القرآن يريد للمؤمن به أن يمارِس خصائصه الإنسانية من العمل والجِدّ فيه في سبيل رزقه ومعاشه.. يُريد له أن يكون مُطمَئِن النفس، وفى علاقة طيّبة مع الآخرين معه. وهنا كان اليانصيب محرّمًا لأنه يدفع إلى التواكل، والحقد، والقلق.