إذا قال أبو حنيفة بوجوب الوِتْر، وقال غيره بأنه سُنَّة فليْس معنى هذا أن السُّنة تلغي الفرض، وإنما المعنى أن الوتْر مطلوب في كلِّ المذاهب، إلا أن درجةَ الطلب عند أبي حنيفة أقوى مما عند غيره من فقهاء المذاهب، على معنى أن التقصير في أدائه عند أبي حنيفة مُوجِبٌ للمسئولية أمام الله، مُعْتَمدًا على الحديث المذكور، أما عند غيره فإنَّ الوتْر ليس بالدرجة في الطلب بحيث يكون التقصيرُ فيه مُفْضيًا للمسئولية كالفرض، بل هو مطلوب طلبًا مؤكِّدًا لمحافظة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليه، لكنَّه ليس من الفروض المُحَتَّمة، فليس بعد الصلوات الخمس المعروفة صلاة مفروضة كل يوم، والأحاديث الدَّالة على ذلك كثيرة، من أقواها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لِمَن سأله عمَّا افتَرَضَه الله عليه ” خمس صلوات كَتَبَهُنَّ الله في اليومِ واللَّيلة ” قال : هل عليَّ غيرها ؟ قال ” لا، إلا أن تَطَوَّع “، فولَّى الرجل وهو يقول : واللهِ لا أُزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلا أُنْقِص، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ” أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ ” رواه مسلم .
وقد حَمَلَ هؤلاء حديث ” فَمَن لَمْ يُوتِر فَلَيْسَ مِني ” على الترغيب الشديد في الإتيان به، وأن من قصَّر فيه لا يكون من عِداد المسلمين الكاملين، فهو مُسْلِم وليس بكافر، وهو من أتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليْسَ مِنْ أَتْبَاع غَيْرِه، وَذلَكَ عَلَى نَحْوِ مَا قَالُوا في حديث ” لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ” على معنى ” لا صلاة كاملة لجار المسجد إلا في المسجد ” وليس المعنى أن صلاته باطلة إذا صلاها في بيته، فإن الأرض كلَّها مسجد، كما ورد في الأحاديث الصحيحة، ولا شكَّ أن الصلاة في المسجد أَكمل، لما فيها من صلاة الجماعة وكثرة الثواب بالخُطَا إلى المسجد، وبانتظار الصلاة، وبدعاءِ الملائكة، وهذا الحديث رواه الدارقطني بسند ضعيف .
وحديث ” فَمَنْ لَمْ يُوتِر فَلَيْسَ مِنَّا ” رَوَاه أحمد وأبو داود، وفي إسناده راوٍ ضعَّفه النسائي، وقال البخاري : عنده مناكير ووثَّقه بعضهم .