خير الدعاء ما دعت به الأنبياء وقد نقل لنا القرآن الكريم والسنة الكثير من أدعية الأنبياء، وقد جوَّز العلماء الدعاء بمنان لأنه من أسماء الله الحسنى وإن لم يرد في أسمائه التسعة وتسعين، وهذا مذهب جمهور العلماء نقله عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن أسماء الله الحسنى لم يرد بها حصر بأنها تسعة وتسعين إسما فقط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى الكبرى:
هذا القول( أي الاقتصار على التسعة والتسعين اسما ) وإن كان قد قاله طائفة من المتأخرين كأبي محمد بن حزم وغيره؛ فإن جمهور العلماء على خلافه، وعلى ذلك مضى سلف الأمة وأئمتها، وهو الصواب لوجوه:
أحدها: أن التسعة والتسعين اسماً لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي ﷺ وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب عن أبي حمزة وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث وفيها حديث ثان أضعف من هذا رواه ابن ماجه، وقد روي في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف، وهذا القائل الذي حصر أسماء الله في تسعة وتسعين لم يمكنه استخراجها من القرآن.
وإذا لم يقم على تعيينها دليل يجب القول به لم يمكن أن يقال هي التي يجوز الدعاء بها دون غيرها، لأنه لا سبيل إلى تمييز المأمور من المحظور فكل اسم يجهل حاله يمكن أن يكون من المأمور ويمكن أن يكون من المحظور، وإن قيل: لا تدعوا إلا باسم له ذكر في الكتاب والسنة قيل: هذا أكثر من تسعة وتسعين.
الوجه الثاني: أنه إذا قيل تعيينها على ما في حديث الترمذي مثلاً ففي الكتاب والسنة أسماء ليست في ذلك الحديث مثل اسم الرب فإنه ليس في حديث الترمذي وأكثر الدعاء المشروع إنما هو بهذا الاسم كقول آدم: { ربنا ظلمنا أنفسنا } الأعراف: 23 ]. وقول نوح: { رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم } هود: 47 ] وقول إبراهيم: { رب اغفر لي ولوالدي } نوح: 28 ] وقول موسى: { رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي } القصص: 16 ]. وقول المسيح: { اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء } المائدة: 114 ] وأمثال ذلك حتى أنه يذكر عن مالك وغيره أنهم كرهوا أن يقال: يا سيدي بل يقال: يا رب لأنه دعاء النبيين وغيرهم كما ذكر الله في القرآن. وكذلك اسم المنَّان ففي الحديث الذي رواه أهل السنن أن النبي ﷺ سمع داعياً يدعو: اللهم إني أسألك بأن لك الملك أنت الله المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي ﷺ: ” لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ” وهذا رد لقول من زعم أنه لا يكون في أسمائه المنان.
وقد قال الإمام أحمد -رضي الله عنه- لرجل ودعه: قل: يا دليل الحائرين دلني على طريق الصادقين واجعلني من عبادك الصالحين.
-وقد أنكر طائفة من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر وأبي الوفاء بن عقيل أن يكون من أسمائه الدليل؛ لأنهم ظنوا أن الدليل هو الدلالة التي يستدل بها.
والصواب ما عليه الجمهور؛ لأن الدليل في الأصل هو المعرف للمدلول ولو كان الدليل ما يستدل به فالعبد يستدل به أيضاً فهو دليل من الوجهين جميعاً.
-وأيضاً فقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: “إن الله وتر يحب الوتر” وليس هذا الاسم في هذه التسعة والتسعين.
-وثبت عنه في الصحيح أنه قال: ” إن الله جميل يحب الجمال ” وليس هو فيها وفي الترمذي وغيره أنه قال: “إن الله نظيف يحب النظافة ” وليس هذا فيها وفي الصحيح عنه أنه قال: ” إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً “وليس هذا فيها وتتبع هذا يطول.
–ولفظ التسعة والتسعين المشهورة عند الناس في الترمذي: الله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الجميل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحليم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد.
-ويروى: الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المعطي المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. ومن أسمائه التي ليست في هذه التسعة والتسعين اسمه: السبوح وفي الحديث عن النبي ﷺ أنه كان يقول: ( سبوح قدوس ) واسمه: الشافي. كما ثبت في الصحيح أنه كان يقول: ” أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقماً “.
-وكذلك أسمائه المضافة مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومقلب القلوب، وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة، وثبت في الدعاء بها بإجماع المسلمين وليست من هذه التسعة والتسعين.
الوجه الثالث: ما احتج به الخطابي وغيره وهو حديث ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: ” ما أصاب عبداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي وشفاء صدري وجلاء حزني وذهاب غمي وهمي إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحاً ” قالوا: يا رسول الله! أفلا نتعلمهن قال: ” بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن “. رواه الإمام أحمد في المسند وأبو حاتم بن حبان في صحيحه.
–قال الخطابي وغيره: فهذا يدل على أن له أسماء استأثر بها وذلك يدل على أن قوله: “إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ” وإن في أسمائه تسعة وتسعين من أحصاها دخل الجنة.
كما يقول القائل: إن لي ألف درهم أعددتها للصدقة وإن كان ماله أكثر من ذلك و الله في القرآن قال: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } الأعراف: 180 ] فأمر أن يدعى بأسماء الحسنى مطلقاً ولم يقل: ليست أسماؤه الحسنى إلا تسعة وتسعين اسماً والحديث قد سلم معناه.