الخلاف في الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء في السفر خلاف طويل بين العلماء ، فأبو حنيفة مثلا لا يجوز الجمع إلا للحاج يوم عرفة فقط ، ولكن جمهور العلماء يجوزون الجمع في السفر، وذهب الليث بن سعد ، وهو رواية عن مالك أن الجمع للمسافر مختص بمن كان يجد في سيره( أي بالمسافر الذي يشتد ويجتهد في سفره إدراك غاية ما من رفقة أو عدو، أو نحو ذلك بخلاف من كان يسير سيرا متراخيا لعدم خوفه من فوات غاية ما).
فعلى هذا فلا يجوز الجمع لمن لم يجد في سيره، كما لا يجوز الجمع أثناء النزول ، أو الوصول إلى الغاية، واستدل لهما بما رواه الترمذي عن ابن عمر : {أنه استغيث على بعض أهله فجد به السير فأخر المغرب حتى غاب الشفق , ثم نزل فجمع بينهما , ثم أخبرهم أن رسول الله ﷺ كان يفعل ذلك إذا جد به السير } . ورواه البخاري بلفظ { كان النبي ﷺ يجمع بين المغرب والعشاء إذا جد به السير } .
وذهب ابن حبيب إلى أن الجمع للمسافر مختص بالسير أي سير، ودليلهما رواه البخاري أيضا عن ابن عباس قال: {كان رسول الله ﷺ يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير , ويجمع بين المغرب والعشاء }.
بل ذهب الأوزاعي إلى أن الجمع ليس رخصة عامة لكل مسافر، ولكنه رخصة لمن أصابه عذر في سفره فقط!
واستدل من جوز الجمع[1] في السفر مطلقا أثناء السير بما وقع من التصريح في حديث معاذ بن جبل في مسلم وغيره بلفظ : { إن النبي ﷺ أخر الصلاة في غزوة تبوك , خرج فصلى الظهر والعصر جميعا , ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا} قال الشافعي في الأم : قوله : ” ثم دخل ثم خرج ” لا يكون إلا وهو نازل , فللمسافر أن يجمع نازلا ومسافرا . وقال ابن عبد البر : هذا أوضح دليل في الرد على من قال : لا يجمع إلا من جد به السير وهو قاطع للالتباس .
[1] انظر: نيل الأوطار للشوكاني (3/263).