أما عن الباروكة وهل تقوم مقام الخمار

فرَّق الفقهاء بين المرأة ذات الزوج و غيرها، وبين الباروكة المصنوعة من شعر طبيعي أو تلك المصنوعة من الشعر الصناعي، فأجاز العلماء لبس الباروكة من الشعر الصناعي تجملا للزوج ، أما غير المتزوجة فلا يجوز لها لأن هذا الصنيع مظنة الفتنة أو التدليس على الخطاب ، أما الباروكة المصنوعة من الشعر الطبيعي فممنوعة على الجميع لحرمة الانتفاع بشعر الآدمي لكرامته .

أما أن تخرج المرأة على غير المحارم بهذه الباروكة على أساس أنها خمار للرأس فلا نرى أن أحدا من العقلاء يجيز هذا، فقد تكون هذا الباروكة أجمل من شعر المرأة الطبيعي فأين الستر هنا ؟؟

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

جاء الإسلام يحارب نزعة التقشف المتزمتة التي عرفت بها بعض الأديان والنحل، ودعا إلى التزين والتجمل في توازن واعتدال، منكرا على الذين يحرمون زينة الله التي أخرج لعباده. لهذا جعل أخذ الزينة من مقدمات الصلاة: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) سورة الأعراف:31.

وإذا كان الإسلام شرع التجمل للرجال والنساء جميعًا فإنه قد راعى فطرة المرأة وأنوثتها فأباح لها من الزينة ما حرم على الرجل من لبس الحرير والتحلي بالذهب.

ولكن الإسلام حرم بعض أشكال الزينة التي فيها خروج على الفطرة، وتغيير لخلق الله الذي هو من وسائل الشيطان في إغوائه للناس (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله).

وفي هذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواشمة والمستوشمة، والواشرة والمستوشرة، والنامصة والمتنمصة، والواصلة والمستوصلة، والأحاديث في ذلك صحيحة مشهورة لا مطعن فيها.

والوشم معروف من قديم، وهو النقش – عن طريق الوخز – باللون الأزرق.

والوشر هو تحديد الأسنان، وتقصيرها بالمبرد.

والنمص هو إزالة شعر الحاجبين لترفيعهما أو تسويتهما أو نحو ذلك.

والوصل . المراد به: وصل الشعر بشعر آخر طبيعي أو صناعي كالباروكة التي يسأل عنها السائل.

وكل هذه الأمور محرمة ملعون من فعلها أو طلبها على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.

وبهذا نعلم حكم ما يسمى ” الباروكة ” وما شابهها، وادعاء أنها مجرد غطاء للرأس كذب وتضليل يخالف الواقع، فأغطية الرأس معلومة بالعقل والعرف، وإنما هذه زينة وحلية أكثر من الشعر الطبيعي نفسه، مع ما فيها من الغش والتزوير من ناحية، والإسراف والتبذير من ناحية ثانية، والتبرج والإغراء من ناحية ثالثة . وكل هذه مؤكدات للتحريم.

روى سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها، فخطبنا فأخرج كبة من شعر (أي قصة – كما في رواية أخرى) قال: ما كنت أرى أحدًا يفعل هذا غير اليهود . . . إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه ” الزور ” يعني الواصلة في الشعر.

وفي رواية أنه قال لأهل المدينة: ” أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن مثل هذه ” ويقول: ” إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم ” . رواه البخاري.

وهذا الحديث نبهنا على أمرين:

الأول:أن اليهود هم مصدر هذه الرذيلة وأساسها من قبل، كما كانوا مروجيها من بعد . فتش عن اليهود وراء كل فساد.

الثاني:أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى هذا العمل ” زورًا ” ليشير إلى حكمة تحريمه فهو ضرب من الغش والتزييف والتمويه، والإسلام يكره الغش، ويبرأ من الغاش في كل معاملة مادية أو معنوية . ” من غش فليس منا ” مع ما ذكرنا من الحكم الأخرى.

إن لبس هذه الباروكة حرام، ولو كان في البيت، لأن الواصلة ملعونة أبدًا، فإذا كان في الخارج وليس على رأسها غطاء فهو أشد حرمة لما فيه من المخالفة الصريحة لقوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) ولا يزعم أحد أن ” الباروكة ” خمار . وإذا كان هذا حرامًا على المرأة فهو على الرجل أشد حرمة من باب أولى.

أقوال أهل العلم في هل الباروكة تقوم مقام الخمار ومدى جواز استعمالها

ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:

الشعر المُستعار ” الباروكة ” ورد فيه أن امرأة قالت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن لي ابنة عُرَيِّسًا ـ تصغير عروس ـ أصابتها حصبة فتمزَّق شعرُها، أفأصِلُه ؟ فقال ” لعنَ الله الواصلة والمُستوصِلة ” رواه ومسلم .

وبعد كلام العلماء في شرح هذا الحديث وما يماثله نرى أن التحريم مبنى على الغِش والتدليس، وهو ما يُفهم من السبب الذي لُعنتْ به الواصلة والمُستوصِلة، ومبنيٌّ أيضا على الفتنة والإغراء لجذب انتباه الرجال الأجانب. وهو ما أشارت إليه بعض الأحاديث بأنه كان سببًا في هلاك بني إسرائيل حين اتّخذه نساؤهم. وكن يَغْشَيْنَ بزينتِهِنَّ المجتمعاتِ العامّة والمعابد كما رواه الطبراني .

هذا ، وجاء في كتب الفقهاء : أنَّ لبس الشعر المستعار حرام مطلقًا عند مالك ، وحرام عند الشافعيّة إن كان من شعر الآدمي، أو شعر حيوان نجِس، أما الطاهر كشعر الغنم وكالخيوط الصناعيّة فهو جائز إذا كان بإذن الزوج، وأجاز بعضهم لبس الشعر الطبيعي بشرطين: عدم التدليس وعدم الإغراء، وذلك إذا كان بعلم الزوج وإذنه، وعدم استعماله لغيره هو.

ويقول فضيلة الشيخ أحمد الشرباصي ـ رحمه الله ـ في لبس الباروكة أمام الأجانب:

أمر الإسلام المرأة المسلمة بستر جسمها، وعدم إبدائها لعوراتها أمام الأجانب الغرباء عنها الذين ليسوا بمحارم لها، وقال القرآن الكريم في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الآية: 59).

كما أن الكتاب العزيز قد قال عن النساء في سورة النور : (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (الآية: 31) والمنع منع للزينة إلا إذا كانت مواضع الزينة ظاهرة وجرت العادة بإظهارها.

وقد قال الفقهاء: إنه يَحْرُمُ على المرأة المسلمة البالغة أن تكشف من جسمها غير وجهها وكَفيها وقَدَميها، ونصَّ الفقهاء على أن شعر المرأة عورة فلا يُباح كشفه؛ لأن كشف الشعر مما يُثير فتنة يَحْسُنُ البعد عنها.

و ” الباروكة ” غطاء صناعي للرأس على هيئة شعر المرأة، وقد شاع استعمالها عند كثير من النساء، وإنما هن يضعنها في العادة للتزين والتجمل، ولتبدو المرأة عند وضع الباروكة أصغر في السن، وأقرب إلى الشباب، وأدنى من نطاق الفتنة والإثارة، ولذلك ترى المرأة إذا كانت صاحبة شعر جميل جَذَّاب، لا تستعمل الباروكة، وتُبدي شعرها الفاتن للأنظار، اللهم إذا كانت تخاف الله وتستر شعرها عن عيون الغرباء.

وما دام الأمر كذلك فإن لبس الباروكة يُثير فتنة ولذلك لا يتفق لبسها مع تعاليم الإسلام. ولو قيل في التسويغ لوضع الباروكة على الرأس: إنها قد تستر عيبًا في رأس المرأة ينفر منها، لكان الجواب على ذلك هو أن الأولى ستر الرأس عن الأنظار بما تتعوَّد المرأة المسلمة ستر رأسها به مما لا يكون مثار فتنة أو شهوة.

وفوق هذا قد تستغل المرأة الباروكة فيما يتصل بالخداع والغش، فقد تكون المرأة متعرضة للخطوبة، وفي رأسها أو شعرها عيب تحرص على إخفائه، لتخدع عنه الذي يتقدم لخطبتها، وربما لو عرف الحقيقة لانصرف عن الخِطبة، وربما يعجب الرجل بالمرأة التي يريد خطبتها وهي مستورة الشعر، لو أنها صارحته بالحقيقة. أ. هـ

قال النووي في شرح صحيح مسلم :

  إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف، سواء كان شعر رجل، أو امرأة، وسواء شعر المحرم والزَّوج وغيرهما بلا خلاف لعموم الأحاديث، ولأنَّه يحرم الانتفاع بشعر الآدميِّ، وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره، وظفره وسائر أجزائه.

وإن وصلته بشعر غير آدميِّ فإن كان شعراً نجساً وهو شعر الميتة، وشعر ما لا يؤكل إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضاً للحديث، ولأنَّه حمل نجاسة في صلاته وغيرها عمداً، وسواء في هذين النَّوعين المزوَّجة وغيرها من النِّساء والرِّجال.

وأمَّا الشَّعر الطَّاهر من غير الآدميِّ فإن لم يكن لها زوج ولا سيِّد فهو حرام أيضاً، وإن كان فثلاثة أوجه:

أحدها: لا يجوز لظاهر الأحاديث.

والثَّاني: لا يحرم، وأصحُّها عندهم إن فعلته بإذن الزَّوج جاز، وإلاَّ فهو حرام .

وقال القاضي عياض: اختلف العلماء في المسألة، فقال مالك، والطَّبريُّ وكثيرون، أو الأكثرون: الوصل ممنوع بكلِّ شيء سواء وصلته بشعر، أو صوف، أو خرق، واحتجُّوا بحديث جابر الَّذي ذكره مسلم بعد هذا، أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زجر أن تصل المرأة برأسها شيئاً.

وقال اللَّيث بن سعد: النَّهي مختصٌّ بالوصل بالشَّعر، ولا بأس بوصله بصوف، وخرق وغيرها.

وقال بعضهم: يجوز جميع ذلك .

قال القاضي: فأمَّا ربط خيوط الحرير الملوَّنة ونحوها ممَّا لا يشبه الشَّعر فليس بمنهيٍّ عنه، لأنَّه ليس بوصل، ولا هو في معنى مقصود الوصل، وإنَّما هو للتَّجمُّل والتَّحسين.

قال: وفي الحديث أنَّ وصل الشَّعر من المعاصي الكبائر للعن فاعله، وفيه: أنَّ المعين على الحرام يشارك فاعله في الإثم، كما أنَّ المعاون في الطَّاعة يشارك في ثوابها.أهـ

يقول فضيلة الدكتور محمد البهي ـ رحمه الله ـ

  هل الفتاة أو المرأة تُحِب أن يعرف الناس عنها، وبالأخص معارفها أنها تضع على رأسها “باروكة”؟. أم أنها تحاول بقَدْر الإمكان أن يظن الآخرون أو يعتقدوا أن ما تَحمِلُه على رأسها من شعر هو طبيعيٌّ لها؟

أغلب الظن أن اعتزازها بجمال نفسها وفخرها بشعر رأسها بعد وَضْع الباروكة عليه يتوقَّف على اعتقاد الآخرين فيها أنها لا تتزيَّن بشعر أجنبية عنها، وأنَّ ما تَحمِله على رأسها هو شعر لها من طبيعتها الخاصة. وإذن هي تُحاول الخِداع، كما تحاول الاعتزاز بما ليس لها. وهذا يختلف تمامًا عن وضع “الإيشارب” على شعر الرأس سُترةً له؛ إذ الكل يعرف أنَّ الإيشارب ساتر عارض كأيّة قطعة أخرى من الملابس على جسمها.

والإسلام يُنَفِّر تمامًا من الخداع وإيهام الناس ما ليس حقيقةً أنه حقيقة. ولذا يحرِّم على المرأة أن تتزيَّن بشعر غيرها. وقد كان هناك عُرف على عهد الإسلام في أول أمره أن تصل المرأة بشعرها القصير شعرًا آخر لغيرها حتى يبدوَ طويلاً. وبذلك تدفع عن نفسها مذلّة الشعر القصير في ذلك الوقت. فكان ما يُروَى في حديث مسلم: “نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أن تصل المرأة بشعرها شيئًا ـ أي شيء، شعرًا لغيرها أو شعرًا صناعيًّا مثلاً ـ وكان كذلك ما يروى عن معاوية: أنه خطب على منبر المدينة ـ وبيده قصة شعر، أي بعض خصال من الشعر ـ وقال: أين علماؤُكم وأنتم تصِلون الشعر ـ أي تَرَوْن نسائكم يصلن شعورَهن بشعر آخر، كما كان العُرْف ـ فإن النبي ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ نهى عنه، وسمَّاه زورًا؛ لأنه تضليل بإيهام الواصلة أنه شعرها وليس كذلك. ثم ذكر، وكان هذا سبب من أسباب هلاك بني إسرائيل.

وتحريم لبس: “الباروكة” ـ إذن ـ لأنّه خداع، وليس لأنّه سبب من أسباب الزينة للمرأة. وإلا فالإسلام يُبيح للمرأة أن تُزيِّن شعر رأسها بالصِّبغة ـ غير اللون الأسود لمن تقدَّمت في السن ـ وتُزَيِّن أظافرها. فيُروى عن عائشة، أنَّها قالت: “أومأتْ امرأة من وراء ستر ـ بيدها كتاب ـ إلى النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقبض يده ـ أي فمسك يد هذا الذي أومأ وأشار بيده ـ فقال: ما أدري: أيدَ رجل، أم يد امرأة. فقال: ـ عليه السلام ـ لو كنتِ امرأةً لغيَّرتِ أظفاركِ بالحِنَّاء”.. قال لها الرسول ذلك، حاثًّا إيّاها على أن تحفظ أنوثتها من أن تتحوَّل إلى شبَهٍ بالرجل.

والإسلام إذ يحثُّ المرأة على الاحتفاظ بأنوثتها، يحث ـ أيضًا ـ الرجلَ على الاحتفاظ برُجولته. ليس لأنَّ هذا وذاك هو الوضع الطبيعي لكلٍّ من الأنثى والذكر. ولكن ليبقى كذلك التآلف والانسجام بين الطرَفين. وهو يذهب حتمًا بينهما إذا تحوَّل أي طرَف إلى الطرف الآخر إذا تحوّلت المرأة إلى رجل، أو تحوَّل الرجل إلى امرأة.