إن ما ذكر من حديث أن أكثر أهل الجنة النساء، فقد ذكر ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، “إنهن إنما كن في الجنة أكثر بالحور العين، التي خلقن في الجنة، وأقل ساكنيها نساء الدنيا، فنساء الدنيا أقل أهل الجنة وأكثر أهل النار”، ولكن ينبغي أن لا يكون في الحديث إحباط للمرأة المسلمة، بل هو دافع لها إلى تلمس سبل الطاعة، وألا تقع في دائرة غضب الرحمن، وهو دافع لها أيضا لتكثر من الصالحات لتكون من أهل الجنة.
وقال القرطبي رحمه الله تعالى:
يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار، وأما بعد خروجهن بالشفاعة، وبرحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال: لا إله إلا الله، فالنساء في الجنة أكثر، والله أعلم، وحينئذ يكون لكل واحد منهم زوجتان من نساء الدنيا، وأما الحور العين فقد يكون لكل واحد منهم الكثير منهن ” انتهى من “التذكرة” (2/983).
وقد أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-، عندما خاطب النساء فقال: “إني رأيتكن أكثر أهل النار، قالوا: مم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكفرن العشير، لو أحسن الزوج إليكن الدهر كله، ثم أساء قلتن ما رأينا منك خيرًا قط”، وفي ذلك ترهيب للأخت المسلمة أن تعظم حق زوجها؛ لأن الأسرة هي لبنة المجتمع، ولا بد لها من رئيس يُطاع، وهو الرجل، وإلا تعرضت الأسرة إلى التفكك والضياع.
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا.
ويتأيد عموم الحديث السابق، بحديث عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ رواه البخاري.
وقد عُلل كثرة النساء في النار بسبب غير التبرج، وهو كفران العشير، كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ.
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُرِيتُ النَّارَ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ.
قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟
قَالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ رواه البخاري، ومسلم.
وهذه الأحاديث تشير إلى أنها تتناول نساء المسلمين، لأنها علقت دخول النار على أسباب غير الكفر.
وهذا بدوره يشير إلى أن المقصود قلة النساء في الجنة ابتداء، قبل خروج عصاة المؤمنين من النار ودخولهم الجنة.
هذه النصوص المخبرة بكثرة النساء في النار؛ ليس القصد منها التقنيط من رحمة الله تعالى، وإنما سيقت للتحذير، ورفع همم النساء إلى عتق أنفسهن من النار، بالإكثار من الأعمال الصالحة؛ ولهذا لما أخبر النبي ﷺ بكثرة النساء في النار، أرشدهن إلى الصدقة.
فعلى المرأة المؤمنة أن تجمع في قلبها بين الخوف الذي يدفعها إلى النشاط في الأعمال الصالحة وترك المحرمات ، وبين الرجاء الذي ينفي عنها اليأس من رحمة الله تعالى، فالله تعالى وعد المرأة الصالحة بالأجر كما وعد الرجل الصالح؛ حيث قال الله تعالى:
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر/40.