اختلف العلماء في الأخذ باختلاف المطالع لإثبات دخول شهر رمضان فأجاز ذلك بعضهم ومنعه الجمهور، والراجح رأي الجمهور لقوة دليله، ولأنه يتفق مع ما يقصد إليه الشارع من وحدة المسلمين ، وتمشيًا مع ما وصلت إليه الاتصالات الحديثة ووسائل الإعلام حيث أصبح من الميسور جدًّا أن يُنقَل الخبر في لحظات .
يقول فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق- رحمه الله-  :
في سبيل توحيد بَدْء صيام رمضان وانتهائه قال جمهور الفقهاء:إنه لا عبرةَ باختلاف المطالع في إثبات رؤية هلال رمضان، وإنه إذا رُؤيَ الهلال في بلد ولم يَرَهُ أهلُ بلدٍ آخرَ يجبُ على أهل البلد الآخَر الذين لم يَرَوْهُ أن يصوموا برؤية أولئك الذين رَأَوْهُ.

قال الكمَال بن الهُمَام الحنفي صاحب الفتح:وإذا ثبت في مصرٍ لَزِم سائرَ الناس، فيَلزَم أهلَ المشرق برؤية أهل المغرب في ظاهر المذهب لعموم الخطاب في قوله صلى الله عليه وسلم: “صوموا لرؤيته

وقيل: يختلف باختلاف المطالع؛ لأن السببَ الشهرُ، وانعقادُه في حق قومٍ للرؤية لا يستلزم انعقادَه في حق الآخَرين مع اختلاف المطالع، وممن قال بهذا الرأي الشافعيةُ .

فقد جاء في المجموع شرح المهذَّب ما ملخصه: ” وإن رأَوْا هلال رمضان في بلد، ولم يَرَوه في آخَرَ؛ فإن تَقارَبَ البلدان فحُكمُهما حُكمُ بلد واحد، ويلزم أهلَ البلدِ الآخَرِ الصومُ بلا خلاف، وإن تباعد فالصحيح أنه لا يجب الصوم على أهل البلد الأخرى”.

والراجح رأي الجمهور؛ وهو أنه لا عبرة باختلاف المطالع، لقوة دليله، ولأنه يتفق مع ما يقصد إليه الشارع من وحدة المسلمين وجمع كلمتهم، وأنه متى تحققت رؤية الهلال في أي بلد من البلاد الإسلامية يمكن القول بوجوب الصوم على جميع المسلمين الذين تشترك بلادهم مع بلد الرؤية في جزء من الليل .

هذا وقد استقر رأي علماء مَجمَع البحوث الإسلامية بالأزهر في المؤتمر الثالث المنعقد بتاريخ 13 من رجب 1386 هـ ـ الموافق 27 من أكتوبر 1966م بشأن تحديد أوائل الشهور القمرية على ما يلي :

1 ـ يقرر المؤتمر :
(أ)  أن الرؤية هي الأصل في معرفة دخول أي شهر قمري، كما يدل عليه الحديث الشريف، فالرؤية هي الأساس، لكن لا يُعتَمَد عليها إذا تمكنت فيها التُّهَمُ تمكُّنًا قويًّا.

( ب) يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتر والاستفاضة، كما يكون بخبر الواحد ذكرًا كان أو أنثى، إذا لم تتمكن التُّهْمة في إخباره لسبب من الأسباب، ومن هذا الأسباب مخالفةُ الحساب الفلكي الموثوقِ به الصادرِ ممن يُوثَق به.

(ج) خبر الواحد مُلزِم له ولمن يَثِق به، أما إلزام الكافة فلا يكون إلا بعد ثبوت الرؤية عند من خصَّصته الدولة الإسلامية للنظر في ذلك.

(د) يُعتَمد على الحساب في إثبات دخول الشهر إذا لم تتحقق الرؤية ولم يتيسر الوصول إلى تمام الشهر السابق ثلاثين يومًا.

2ـ يرى المؤتمر أنه لا عبرة باختلاف المطالع وإن تباعدت الأقاليم، متى كانت مشتركة في جزء من ليلة الرؤية وإن قلَّ، ويكون اختلاف المطالع معتَبَرًا بين الأقاليم التي لا تشترك في جزء من هذه الليلة.

3ـ يُهيب المؤتمر بالشعوب والحكومات الإسلامية أن يكون في كل إقليم إسلامي هيئةٌ إسلاميةٌ يُناط بها إثباتُ الشهور القمرية، مع مراعاة اتصال بعضها ببعض والاتصال بالمراصد والفلكيين والموثوق بهم.

والأقوى هو رأي الجمهور في هذا الموضع: لقوة أدلتهم، وتمشيًا مع ما وصلت إليه الاتصالات السلكية واللاسلكية بين الدول الإسلامية المختلفة المتباعدة، وما تطورت إليه وسائل الإعلام الحديثة المسموعة والمرئية، وما ترتب على ذلك من يُسر الاتصالات بين البلاد الإسلامية في شتى البقاع، حيث أصبح من الميسور جدًّا أن يُنقَل الخبر في لحظات من دولة إلى أخرى عن طريق وكالات الأنباء المختلفة بواسطة المذياع والتليفزيون أو عن طريق البرق والهاتف، وبهذا يكون العمل بما قال به جمهور الفقهاء سهلاً ميسورًا في متناول أي مسلم في أي بلد إسلامي، وهذا بدوره يؤدي إلى اتفاق المسلمين وتوافقهم في الرأي والعمل.