نكاح الشغار هو: أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية عليه على أن يزوجه الآخر، أو يزوج ابنه أو ابن أخيه ابنته أو أخته أو بنت أخيه أو نحو ذلك، وهذا العقد على هذا الوجه فاسد، سواء ذكر فيه مهر أم لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وحذر منه.

وقد قال الله تعالى: ” وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ”

وفي الصحيحين، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار وزاد ابن نمير (والشغار: أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي)، وقال صلى الله عليه وسلم: لا شغار في الإسلام

فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على تحريم نكاح الشغار وفساده، وأنه مخالف لشرع الله، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين ما سمي فيه مهر وما لم يسم فيه شيء، وأما ما ورد في حديث ابن عمر من تفسير الشغار بـ: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق، فهذا التفسير قد ذكر أهل العلم أنه من كلام نافع الراوي، عن ابن عمر، وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم،
وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة بما تقدم، وهو: أن يزوج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته، ولم يقل: (وليس بينهما صداق)، فدل ذلك على أن تسمية الصداق أو عدمها لا أثر لها في ذلك، وإنما المقتضي للفساد هو اشتراط المبادلة، وفي ذلك فساد كبير؛ لأنه يفضي إلى إجبار النساء على نكاح من لا يرغبن فيه؛ إيثارا لمصلحة الأولياء على مصلحة النساء، وذلك منكر وظلم للنساء؛ ولأن ذلك أيضا يفضي إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن، كما هو الواقع بين الناس المتعاطين لهذا العقد المنكر إلا من شاء الله، كما أنه كثيرا ما يفضي إلى النزاع والخصومات بعد الزواج، وهذا من العقوبات العاجلة لمن خالف الشرع.

وروى أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح، عن عبد الرحمن بن هرمز: أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وقد كانا جعلا صداقا، فكتب أمير المؤمنين معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه إلى أمير المدينة مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: (هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فهذه الحادثة التي وقعت في عهد أمير المؤمنين معاوية توضح لنا معنى الشغار الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المتقدمة، وأن تسمية الصداق لا تصحح النكاح ولا تخرجه عن كونه شغارا، لأن العباس بن عبد الله، وعبد الرحمن بن الحكم قد سميا صداقا، ولكن لم يلتفت معاوية رضي الله عنه إلى هذه التسمية وأمر بالتفريق بينهما، وقال: (هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومعاوية رضي الله عنه أعلم باللغة العربية وبمعاني أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من نافع مولى ابن عمر، رضي الله عن الجميع.

أما العلاج لمن وقع في نكاح الشغار وهو يرغب في زوجته وهي ترغب فيه: فهو تجديد النكاح بولي، ومهر جديد، وشاهدي عدل؛ وبذلك تبرأ الذمة وتحل الزوجة، مع التوبة إلى الله سبحانه مما سلف، وإن كان بينهما أولاد فهم لاحقون بالزوج من أجل اعتقادهما صحة النكاح، فإن كان الزوج لا يرغب فيها أو هي لا ترغب فيه فإن الواجب عليه أن يطلقها طلقة واحدة، وبذلك تبين منه بينونة صغرى، ولها أن تنكح غيره بعد خروجها من العدة، ومتى أراد الرجوع إليها فله ذلك بنكاح جديد، إذا رغبت مطلقته في ذلك، ويبقى لها طلقتان، ولا حرج أن يتزوجها في عدتها منه.