دائماً واجبات المسلم أكثر من وقته ، فهو دائما يعيش حياة مليئة بالعمل والحركة ، فهو دائما أمامه فرائض يؤديها ، فإن انتهى وقت الفرائض فهناك سنن ، فإذا ذهب وقتها فهناك نوافل ومندوبات ترفع من درجاته يوم القيامة ، وهناك عبادات يؤديها لله كالصلاة والصيام والعمرة، وهناك أعمال ينفع بها نفسه كحفظ القرآن وتعلم العلم النافع ، وهناك أعمال ينفع بها أمته ، كأن يكون فيهم معلما أو مجاهداً .
وقد أرشد النبي ﷺ أمته أن تغتنم من وقت فراغها لوقت شغلها فقال ﷺ : اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك وصحتك قبل مرضك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك . رواه الحاكم
فإذا بقي بعد هذا وقت فلا بأس من اللهو المباح الذي يجدد نشاط الإنسان للعبادة و يجعله مقبلا عليها مثل الدعابة الطريفة ، والسمر مع الإخوان ، وملاعبة الولد ، وملاطفة الزوجة .
يقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد:
إن التعريف الإسلامي لوقت الفراغ لا يقبل بوجود وقت يكون فيه الإنسان حراً طليقاً من أي تكليف ، أو عمل مفيد ، يذهب وقته عليه سُدىً ، وهناك حقوق وواجبات لا بدّ من أدائها لله عزّ وجلّ وكذلك للمخلوقين .
وباستيفائه لهذه الحقوق على الوجه المطلوب شرعاً ، يجد المسلم نفسه أمام العديد من أبواب الخير التي رتّب عليها الشرع الأجر العظيم والجزيل ، ولم يُحطْها بشروط مكلّفة ، ولم يحصرها بأوقات ضيقة .
فقد حرص الإسلام على شغل أوقات الفراغ بعد الواجبات بالعمل النافع المثمر الذي يعين الإنسان على الطريق إلى الله منذ يقظته إلى منامه ، بحيث لا يجد الفراغ الذي يشكو منه ويحتاج في ملئه إلى تبديد الطاقة أو الانحراف بها عن منهجها الأصيل .
وليس معنى هذا هو استنفاد المخلوق البشري واستهلاكه .. ، فليس ذلك قط من أهداف الإسلام الذي يدعو إلى استمتاع الإنسان بالطيبات ، وتذكر نصيبه من الحياة الدنيا .
وليست المسألة كلها إجهاداً أو استنفاداً للطاقة فإن منها ذكر الله في القلب ، ومنها غفوة الظهيرة في الهاجرة ، ومنها السمر البريء مع الأهل والأصحاب ، ومنها التزاور ، ومنها الدعابة اللطيفة ، إلى آخر أنواع الترويح .
ولكن المهم ألا يوجد في حياة الإنسان فراغ لا يشغله شيء أو فراغ يشغله الشر والفساد والتفاهة .
* وحين ألغى الإسلام عادات الجاهلية وأعيادها ومواسمها وطرائق حياتها لم يترك ذلك فراغاً يتحير المسلمون في ملئه ، أو يملؤونه دون شعور منهم فيما لا يفيد ، بل جعل لهم في الحال عادات أخرى وأعياداً ومواسم وطرائق حياة تملأ الفراغ ، كانوا – في الجاهلية – يجتمعون على موائد الخمر والميسر ، أو لعبادة الأوثان ، فجمعهم على عبادة الله يؤدون الصلاة جماعة ، ويتذاكرون القرآن جماعة ، ويستمعون إلى توجيهات الرسول ﷺ ، ويتزاورن لمثل ذلك .
وكانوا – من قبل – يعيثون في أعيادهم فسداً فألغاها ، وجعل بدلاً منها أعياداً كريمة نظيفة زاخرة بالمعاني الطيبة والأهداف الرفيعة .
* وحيث قطع علاقة القربى في أول عهده مع المشركين الذين لم يكونوا قد أسلموا بعد ، ملأ فراغها بالولاية بين المؤمنين ، وجعلها مكان القربى ، فملأت فراغها حقيقة ، وصارت تعدل في حسهم صلة الدم ، حتى إن المؤاخاة التي جعلها الرسول ﷺ بين المهاجرين والأنصار وصلت بهم إلى اقتسام كل شيء مع المهاجرين .
قال تعالى : ( .. ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .. ) الحشر/9 . وكانت تصل إلى حد الاشتراك في الميراث ، وهكذا لم يعد في نفوس المؤمنين فراغ ..
وهكذا لا توجد هذه المشكلة قط في الحياة الإسلامية !! ولا يمكن أن يوجد الفراغ في قلب عامر بذكر الله ! ولا في روح متعبدة لله .
– مشغولة بالذكر والعبادة التطوعية بعد أداء الفرائض .
– مشغولة بحفظ القرآن وتلاوته تعبداً إلى الله .
– مشغولة في زيارة الأصحاب والأحباب وعيادة المرضى من المعارف والأصدقاء .
– مشغولة في ساعة مرح نظيفة مع الزوجة والأولاد ومع الأحباب المؤمنين في أي مكان .