ذكر العالم الإسلامي كمال الدين الدُّميري المتوفَّي سنة 808 هـ في كتابه الجامع ” حياة الحيوان الكبرى ” أن الكلاب نجسة سواء منها المُعلَّمة وغير المعلمة، والصغير والكبير، وبِه قال الأوزاعيُّ وأحمد وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثَوْر وأبو عُبَيد، وكذلك الإمام الشافعي.

ثم قال: لا فرق بين المأذون في اقتنائه وغيره، ولا بين كلب البدوي والحضري، وذلك لعموم الأدلة. أما في مذهب مالك فهناك أربعة أقوال: 1 ـ طهارته كلُّه 2 ـ نجاسته كلُّه 3 ـ طهارة سُؤْر المأذون في اتخاذه دون غيره ( السُّؤْرُ: بقيَّة طعامه وشرابه )، وهذه الأقوال مرويَّة عن الإمام مالك 4 ـ أنه يُفرق بين البدوي والحضري، فالأوَّل سؤْرُه طاهر والثاني نَجِس، ويُحكى هذا عن الحسن البصري وعروة بن الزبير، محتجِّبين بقوله تعالى ( يسألونك ماذا أُحلَّ لهم، قل أُحِلَّ لكم الطَّيْبات وما عَلَّمْتُم من الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ( المائدة : 4 )، ولم يَذْكر غَسْل مَوْضع إمْسَاكها، كَما احتجُّوا بحديث ابن عمر الذي رواه البخاري حيث قال: كانت الكلاب تُقْبل وتُدْبر في مسْجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتَبَوَّلُ، فلم يكونوا يَرُشُّون شيئًا من ذلك.

واحتجَّ الشافعية في نجاسة الكلب بحديث البخاري ومسلم الذي جاء في إحدى رواياته ” إذا ولَغَ الكلب في إناء أحدكم فليُرقْه وليغسلْه سبع مرات إحداهن بالتراب ” قالوا : ولو لم يكن نَجسًا لمَّا أمر بإراقته؛ لأنه حينئذ يكون إتلاف مال> وأما حديث ابن عمر ـ رضى الله عنهما ، فقال البيهقي : أجمع المسلمون على أن بول الكلاب نجس وعلى وجوب الرشِّ من بَوْل الصبي، والكلب أولى، فكان حديث ابن عمر قبل الأمر بالغسل من وُلُوغ الكلب، أو أن بولها خفِيَ مكانه، فمن تيقَّنه لزِمَه غَسْله.

ثم قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم عن هذا الحديث : فيه وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات، وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجماهير، وقال أبو حنيفة : يَكفي غَسله ثلاث مرات. ثم قال النووي : واعلم أنه لا فرق عندنا بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه، فإذا أصاب بَولُه أو رَوَثُه أو دمه أو عَرَقُه أو شعره أو لعابه أو عضوٌ من أعضائه شيئًا طاهرًا في حال رطوبة أحدهما وجب غَسله سبع مرات إحداهنَّ بالتراب.
وجاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ” ص16 ” : المالكية قالوا : كلُّ حيٍّ طاهر العين ولو كلبًا أو خِنزيرًا، ووافقهم الحنفية على طهارة عين الكلب ما دام حيًّا على الراجح، إلا أن الحنفية قالوا بنجاسة لُعابه حال الحياة تبعًا لنجاسة لحمه بعد موته، فلو وقع في بئر وخرج حيًّا ولم يصب فمه الماء لم يفسد الماء، وكذا لو انتفض من بلله فأصاب شيئًا لم يُنجِّسه.

هذا، وجاء في كتاب : كفاية الأخيار في فقه الشافعية (ج1ص63 ) : قال النووي في أصل الروضة : وفي وجه شاذ أنه يكفي غَسل ما سوى الولوغ مرة، كغسل سائر النجاسات، وهذا الوجه قال في شرح المهذب :إنه مُتَّجَه وقوي من حيث الدليل؛ لأن الأمر بالغسل سبعًا إنما كان ليُنَفرهم عن مؤاكلة الكلاب.
ثم قال صاحب الكفاية ـ بعد ذكر نجاسة الخنزير وكيفية التطهير منها ـ وهل يقوم الصابون والأشْنَان مقام التراب؟ فيه أقوال، أحدها نعم، كما يقوم غير الحجر مقامه في الاستنجاء، وكما يقوم غير الشَّب والقَرْظ في الدباغ مقامه، وهذا ما صححه النووي في كتابه ” رءوس المسائل ” والأظهر في الرافعي والروضة وشرح المهذب أنه لا يقوم؛ لأنها طهارة متعلقة بالتراب فلا يقوم غيره مقامه كالتيمم. والقول الثالث. إن وُجد التراب لم يَقُمْ، وإلا قام. وقيل يقوم فيما يفسده التراب كالثياب دون الأواني.

حكم اقتنائها:

وقد رأيت في فتح الباري ” ج5 ص10 ” استدلال ابن حجر بحديث الإذن في اتخاذ الكلب للحراسة ـ على طهارته؛ لأن في مُلابسته مع الاحتراز عنه مشقَّة شديدة، فالإذن في اتخاذه إذنٌ في مكمِّلات مقصوده، كما أن المنع من لوازمه مناسب للمنع منه. وهو استدلال قوي لا يعارضه إلا عموم الخبر الوارد في الأمر من غَسل ما وَلَغَ فيه الكلب من غير تفصيل، وتخصيص العموم غير مُستنكَر إذا سوَّغه الدليل. انتهى.

إنها وجهة نظر يُمكن أن يُستفاد منها عند الضرورة أو الحاجة المُلحَّة وتظْهر في مثل تدريب الكلاب البوليسية.