حكم إزالة شعر اللحية والشارب والوجه للمرأة :
واختلفوا في الحف والحلق , فذهب المالكية والشافعية إلى أن الحف في معنى النتف . وذهب الحنابلة إلى جواز الحف والحلق , وأن المنهي عنه هو النتف فقط . وذهب جمهور الفقهاء إلى أن نتف ما عدا الحاجبين من شعر الوجه داخل أيضا في النمص , وذهب المالكية في المعتمد وأبو داود السجستاني , وبعض علماء المذاهب الثلاثة الأخرى إلى أنه غير داخل . واتفق الفقهاء على أن النهي عن التنمص في الحديث محمول على الحرمة , ونقل عن أحمد وغيره أن النهي محمول على الكراهة .
وجمهور العلماء على أن النهي في الحديث ليس عاما , وذهب ابن مسعود وابن جرير الطبري إلى عموم النهي , وأن التنمص حرام على كل حال . وذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز التنمص لغير المتزوجة , وأجاز بعضهم لغير المتزوجة فعل ذلك إذا احتيج إليه لعلاج أو عيب , بشرط أن لا يكون فيه تدليس على الآخرين .
قال العدوي : والنهي محمول على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها , كالمتوفى عنها والمفقود زوجها . أما المرأة المتزوجة فيرى جمهور الفقهاء أنه يجوز لها التنمص , إذا كان بإذن الزوج , أو دلت قرينة على ذلك ; لأنه من الزينة , والزينة مطلوبة للتحصين , والمرأة مأمورة بها شرعا لزوجها . ودليلهم ما روته بكرة بنت عقبة أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن الحفاف , فقالت : إن كان لك زوج فاستطعت أن تنتزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلي . وذهب الحنابلة إلى عدم جواز التنمص – وهو النتف – ولو كان بإذن الزوج , وإلى جواز الحف والحلق . وخالفهم ابن الجوزي فأباحه , وحمل النهي على التدليس , أو على أنه كان شعار الفاجرات .
وذهب جمهور العلماء إلى أنه يستحب للمرأة إذا نبتت لها لحية أو شوارب أو عنفقة أن تزيلها , وقيد بعضهم ذلك بإذن الزوج . وأوجب المالكية عليها – في المعتمد – أن تزيلها ; لأن فيها مثلة . أما ابن جرير فذهب إلى تحريم ذلك .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجوز للمرأة أن تزيل شعر يديها ورجليها وظهرها وبطنها . وذهب المالكية إلى وجوب ذلك عليها ; لأن في ترك هذا الشعر مثلة . يحرم على الرجل التنمص , ويكره له حف حاجبه أو حلقه , ويجوز له الأخذ منه ما لم يشبه المخنثين .انتهى.
حكم إزالة شعر اللحية والشارب للرجل:
يقول الدكتور يوسف القرضاوي :-
من سنن الفطرة: إعفاء اللحية، وهذه سنة مختصة بالرجال. وقد حرص الإسلام في آدابه لا سيما في سنن الفطرة: ألا يتدخل في فطرة الله التي ميزت بين الرجل والمرأة، وجعلت لكل منهما خصائص جسمية وعصبية تلائم وظيفته في الحياة. ولهذا ميز الله تعالى الرجل باللحية والشارب: ليتناسب ذلك مع رجولته وخشونته ومهمته في الحياة، ولم يعط ذلك للمرأة: ليتناسب ذلك مع أنوثتها وفطرتها، وإعدادها لحياة الزوجية والأمومة.
ومن هنا: يجب أن يبقى الرجل رجلا، والمرأة امرأة كما خلقهما الله، ولا نذيب الحواجز الفطرية بينهما، فيتأنث الرجل أو يتخنث، وتسترجل المرأة، وفي هذا جاء الحديث يلعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، وينهى الرجل أن يلبس لبسة المرأة، والمرأة أن تلبس لبسة الرجل.
وفي هذا الإطار شرع إعفاء اللحية للرجل، حتى يتميز عن المرأة، فهي أدل على تمام الرجولة، وكمال الفحولة. ولهذا ذهب بعض العلماء إلى اعتبار إعفائها أمرا واجبا، وحلقها حراما. وذهب آخرون إلى اعتبار إعفائها سنة، وحلقها مكروها.
فالحنفية اختلفوا، فمنهم من قال بسنيتها، وهو الأوفق لأصول مذهبهم، ومنهم من قال بوجوبها، وكذلك اختلف المالكية، فمنهم من قال بكراهة حلقها، ومنهم من قال بحرمته. أما الشافعية فالمعتمد عندهم هو الكراهة، كما جاء عن شيخي المذهب: الرافعي والنووي. والمعتمد عند الحنابلة: وجوب الإعفاء، وإن عبر بعضهم بأنه سنة.
وذهب بعض مشايخ العصر إلى اعتبار إعفائها سنة من سنن العادات، التي تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف، فأجازوا لأنفسهم ولغيرهم حلقها بلا كراهة.
وأنا أخالف هؤلاء، كما أخالف الأولين، وأرى: أنها سنة مؤكدة، كما جاء في أحاديث (سنن الفطرة) وكما جاء الأمر بإعفائها في أكثر من حديث.
ففي الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: “أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللِّحَى .
وفيهما عنه: أن النبي ﷺ قال: ” خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب .
والإعفاء ـ كما قال الخطابي وغيره ـ هو: توفيرها وتركها بلا قص: كره لنا قصها كفعل الأعاجم. قال: وكان من زي كسرى: قص اللحى، وتوفير الشوارب.
والذين ذهبوا إلى وجوب إعفاء اللحية وحرمة حلقها، احتجوا بالأمر النبوي الوارد بالإعفاء، والأصل في الأمر: الوجوب، إلا أن يصرفه عنه صارف.
ودلالة الأمر على الوجوب مطلقا فيها خلاف ذكره علماء الأصول، مثل الزركشي في (البحر المحيط). وقد رجحت منها الرأي الذي يقول: إن ما جاء في القرآن فالأصل أنه للوجوب، وما جاء في السنة فالأصل أنه للندب والاستحباب.
ويؤكد هذا هنا: أنه جاء في شأن يتعلق بالزي الذي يتأثر كثيرا بأعراف الناس واختلاف بيئاتهم وظروفهم، ولا يقال: قد أكد الوجوب الأمر بمخالفة المشركين، فقد جاء نحو هذا في قوله ﷺ: “إن اليهود والنصارى لا يصبغون (أي الشيب) فخالفوهم” متفق عليهومع هذا صح أن عددا من الصحابة لم يكونوا يصبغون (أي يخضبون شعرهم الأبيض بالحناء ونحوها) فدل على أن هذا النوع من الأوامر المتعلقة بالشكل والصورة ليست للوجوب. انتهى.
حكم إعفاء الشارب:
وقد اتفق العلماء على أن قص الشارب سنة، بدليل ما ذكرنا من قبل من الأحاديث، التي أكدها حديث زيد بن أرقم قال: قال رسول الله ﷺ: ” من لم يأخذ من شاربه فليس منا ” رواه الترمذي في كتاب الاستئذان من جامعه وقال: حديث حسن صحيح.
ومعنى “فليس منا” أي ليس على هدينا وطريقتنا، بل اتبع طريقة قوم آخرين، مثل المجوس الذين كانوا يطيلون شواربهم، ويحلقون لحاهم. وفي صحيح مسلم: ” جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس )
قال النووي: ضابط قص الشارب: أن يُقص حتى يبدو طرف الشفة، ولا يحفه من أصله. هذا مذهبنا.
وقال أحمد رحمه الله: إن حفه فلا بأس، وإن قصه فلا بأس. واحتج بالأحاديث الصحيحة ” أحفوا الشوارب ” وفي رواية: ” جزّوا الشوارب ” وفي أخرى: ” أنهكوا الشوارب “.
قال النووي: هذه الروايات محمولة عندنا على الحف من طرف الشفة لا من أصل الشعر.
واستدل بحديث ابن عباس: كان النبي ﷺ يقص أو يأخذ من شاربه، قال: وكان إبراهيم خليل الرحمن يفعله ” رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
كما استدل بما رواه البيهقي في سننه عن شرحبيل بن مسلم الخولاني: أنه رأى خمسة من الصحابة يقصون شواربهم، هم: أبو أمامة الباهلي، وعبد الله بن بسر، وعتبة بن السلمي، والحجاج بن عامر الثمالي، والمقدام بن معد يكرب، كانوا يقصون شواربهم مع طرف الشفة.
وذكر البيهقي عن مالك بن أنس الإمام رحمه الله: أنه ذكر إحفاء بعض الناس شواربهم، فقال مالك: ينبغي أن يُضرب من صنع ذلك. فليس حديث النبي ﷺ كذلك، ولكن يبدي حرف الشفة والفم. قال مالك: حلق الشارب بدعة ظهرت في الناس.
ونقل ابن القيم في (زاد المعاد) اختلاف السلف في قص الشارب وحلقه: أيهما أفضل؟ وحكى بعضا مما ذكرنا هنا عن مالك.
ونقل ابن القاسم عنه أنه قال: إحفاء الشارب وحلقه عندي مثله (أي ضرب من التشويه).
قال مالك: وكان عمر إذا كربه أمر: نفخ فجعل رجله بردائه، وهو يفتل شاربه .
ونقل الطحاوي عن بعض الصحابة أنهم كانوا يحفون شواربهم.
ومذهب الحنفية في شعر الرأس والشوارب: أن الحلق والإحفاء عندهم أفضل من التقصير.
ويبدو من النظر في الأدلة: أن كلا الأمرين جائز: الحلق والتقصير، وإن كنت أميل إلى ما ذهب إليه مالك في ترجيح التقصير على غيره. انتهى.