إن الإسلام يحث على التقدم والازدهار ويحمل في كل مبادئه مايحقق الكفاية بل الرخاء للشعوب والأمم والتاريخ خير شاهد على ذلك.

الغنى والفقر في الإسلام

يقول الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي من علماء الأزهر:

الإسلام يعمل لإقامة مجتمع قوي فاضل، يُشيع المكارم ووُجوه الخير وألوان البرِّ في مَواطن الأمن والسلام، ويعدُّ العُدَّةَ والذخيرة وألوان القوة في مَواطن الإعداد والاستعداد، ولذلك نجد القرآن الكريم يقول: (يا أيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ واعْمَلُوا صالحًا). (المؤمنون: 51). ويقول سبحانه وتعالى: (وأَعِدُّوا لهمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ). (الأنفال:60).

ولذلك يَعتبر الإسلامُ الفقرَ عَيْبًا، ينبغي أن يتخلَّص منه ما دام قادرًا على ذلك، والحديث النبوي يقول: “كادَ الفقرُ أنْ يكونَ كُفْرًا”. وقال الإمام عليٌّ: “لو كانَ الفقرُ رجلاً لَقَتَلْتُهُ”.
كان رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو له فيقول: ” اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وأعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت “. وقال لأحد أصحابه: ” لأنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغنياءَ خيْرٌ مِنْ أنْ تَذَرْهُمْ عالَةً ( أي فُقراء ) يَتكفَّفون الناسَ “. أي يحتاجون إليهم ويسألونهم.

والإسلام يعتبر الغنِيّ الشريف أو اليسار الطاهر من المكارم، ومظهرًا من المظاهر التي ينبغي للمسلم أن يتحلَّى بها. لذلك نجد في القرآن الكريم آياتٍ كثيرةً في الحَضِّ على السعْي للكسب والابتغاء من فضل الله والرسول ـ ـ يقول: “نِعْمَ المالُ الصالحُ للرجلِ الصالحِ. ويقول : “إنَّ اللهَ يُحب العبد التَّقِيِّ الغَنِيِّ الخَفِيِّ”.

ووجدنا الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يقول في دعوته: ” اللهمَّ إني أسألكَ العَفَافَ والغِنَى”. ولو كان أمر الغنى أمرًا قبيحًا، أو شيئًا مَرذولاً لمَا سأله النبي من خالقه ـ تبارك وتعالى ـ بل إننا نجد القرآن الكريم يَعتبر إزالة الفقر مِنَّةً كُبْرى من الله ـ جل جلاله ـ يَمُنُّ بها على رسوله محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فالمولى ـ عز شأنه ـ يقول في القرآن لنبيه: ( ألمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* ووَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * ووَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنَى). ( الضحى: 6ـ8 ). أي وجدكَ فقيرًا فأغناكَ.

وقد اعتبر الرسول ـ ـ الدفاع عن المال المشروع أمرًا له مكانته وقيمته، فقال: “مَن قُتل دونَ مالهِ فهو شَهيدٌ”.

هل الإسلام يشجع على الفقر أم على الغنى

قد يقال: ولكن هناك نصوصًا دينية تُشيِّد بالفقراء، وتُنوه، بفضل فقرهم، فكيف نُوَفِّقُ بين هذا وبين إشادة الإسلام بالغنى الفاضل واليسار الطاهر؟

ونجيب بأن هناك أناسًا يتلمسون في بعض الأحيان أسبابًا للعمل فلا يجدونها، أو يُصيبهم عجْزٌ ليس في طاقتهم التغلُّبُ عليه، أو تجري عليهم الأقدار بابتلاء لهم في ثروتهم وأموالهم، فيفقدونها ولا يَستطيعون تعويضها، فهنا تأتي النصوص مُواسيةً ومُشجعة وحافزة على حُسن الاحتمال وجميل الصبر، مع براعة العمل للتخلص من الفقر حينما يتهيأُ السبيل لذلك.

والإسلام لا يُحبِّبُ في الفقر، ولكن يُحِدُّ من جشع الكانزين الجشعين، الذين يجمعون ولا يعرفون القسمة، فهنا يدعوهم الإسلام إلى التلطُّف في الجمع، والتخفُّف من المال، والتذكير بواجباته، والتحذير من تَبِعاتهِ ومسئولياته، كأن هذا مقاومة للغِنَى الفاحش الجاحد الذي يُؤدي إلى تجميد الأموال دون النفع منها، وليس المراد أن يرتضي الإسلام الفقر شعارًا لأبنائه ومُجتمعه، وإلا أصابهم الهُزال والهَوان، بل هو يُريدهم أقوياء فضلاء قال تعالى: ( ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأنتمْ الأَعْلوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤمنينَ ). ( آل عمران: 139 ) .