لا يوجد في عصرنا إماء، فالأصل في الأمة أن تكون أسيرة في حرب شرعية، ويرى إمام المسلمين وأهل الحل والعقد أنه من الأولى أن تُستَرقّ هذه السبايا معاملة بالمثل لأن أعداءنا في الحرب يأسرون منا ويسترِقّون أسرانا، ومادام هذا العصر قد رفض الرق، فنحن أول من يرحب بهذا لأن الإسلام هو أول من فتح باب تحرير الرقيق، فالإسلام لم يستحدث الرق إنما استحدث التحرير والعتق، فالإسلام جاء والرق موجود ولكن لم يستطع أن يلغيه بجرَّة قلم، إنما وضع من الأحكام والتعاليم والتوجيهات ما يلغي الرق بالتدريج، حتى أنه جعل في مصارف الزكاة باباً لتحرير الرقاب، فلذلك نقول أن (ما ملكت أيمانكم) هو الرقيق الذي أصله هذا أو متناسل منه، في عصرنا لا يوجد هذا بعد إلغاء الرقيق لا يوجد هذا، إنما لو كان هناك أناس يبيعون ابنتهم لحاجة أو لنحو ذلك فهذا من أكبر المحرمات، استعباد المحرر، والنبي عليه الصلاة والسلام جعل من الثلاثة الذين يخاصمهم الله يوم القيامة “أن يستعبد محرراً” فانتهى مِلك اليمين والإسلام يرحب بهذا.

  وإباحة الجواري لا يقصد به قضاء الشهوة، وإنما يقصد به السعي إلى الحرية، لأن من جامع جاريته فحملت منه أصبحت أم ولد وتكون حرة بعد موته ، ولا يجوز له بيعها .

والجواري لا يكن إلا في الحرب المشروعة بين المسلمين وغيرهم، ولا يدخل فيهن من يختطف من النساء ويباع في الأسواق ، ولا من تسلم نفسها لغيها بسبب الفقر الشديد لينفق عليها أو يبيعها لمن ينفق عليها ، كما أن الخدم الخاص لا يدخل بحال من الأحوال في الجواري إذا كن نساء.

الفرق بين الجواري والزنا

الفرق بين الجواري ( ملك اليمين ) وبين الزنا أن ملك اليمين منظم ويقبله مسؤلية المالك ونفقته على الجارية ، وتحمل تبعات الجماع ، وقد أباحه الله الجواري كما أباح الزوجات بقوبه تعالى : ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) .
والزنا عكس ذلك ، وقد حرمه الله تعالى بقوله : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا).
حفظنا الله وإياك والمسلمين منه وما يقرب إليه من النظر والخلوة والاستماع وغير ذلك .

ما هو ملك اليمين وما هي أحكامه

يقول الشيخ عطية صقر ، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا:
-مِلْك اليمين هم الأرِقّاء الذين ضُرِبَ عليهم الرِّق في الحرب الإسلاميّة المشروعة، أو تَناسَلوا من أرِقّاء، فمن ملَك أَمَة جاز له ـ بعد استبرائها ـ أن يتمتّع بها كما يتمتّع الزّوج بزوجته، دون حاجة إلى عَقد أو مَهْر أو شُهود. وليس لَهُنَّ عدد محدود يُباح للرّجل ألّا يَزيد عليه بخِلاف الزّواج من الحَرائر، فلا يَزيد على أربع في عِصمة واحدة.


-والتمتّع بمِلْك اليمين ربّما يَفهَم بعض الناس من ظاهره أنه إطلاق لشهوة الرجال وزيادة في التمتّع، ولكنه في حقيقته وسيلة من وسائل تحرير الرّقيق؛ لأنّ الأمة إذا حملت من سيِّدها لا يستطيع أن يبيعَها أو يهَبها، وإذا مات لا تُورَّث كما يُورَّث المتاع، بل تَصير حرّة، وابنُها يكون حُرًّا لا رَقيقاً.
-أما المنهيُّ عنه فهو الزّواج من الإماء بعقد ومهر كالحُرّة، وهو لا يجوز إلا عند توفُّر أمرين:

-أوّلهما العجز عن مَهر الحُرّة.

-والثاني خوف الزِّنى إن لم يتزوّج، قال تعالى: (ومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فمِمّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِناتِ) إلى أن قال (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ وأَنْ تَصْبِروا خَيْرٌ لَكُمْ) (سورة النساء : 25).
-وسِرُّ النَّهْيِ عن نِكاحِهِنّ بعَقد ومَهر وشُهود أن الأولاد الناتجين من هذا الزواج يكونون أرِقّاء لا أحرارًا ، والإسلام لا يُريد زيادةً في الأرِقّاء، بل يُريد الزِّيادة في الحُرِّيّة، وله أساليبه الكثيرة في ذلك.
فالآيتان تقولان إنّ المؤمنين يصونون أنفسَهم عن العَلاقات النِّسائيّة المُحرّمة، ولا يحِل لهم إلا التمتُّع بالزوجات الحرائر عن طريق العقد المعروف، أو بالإماء عن طريق مِلْك اليمين.
-هذا، وأما الخادمات فهُنَّ حرائر ولَسْنَ إماء، فلا يجوز التمتُّع بهن إلا بالزّواج الصحيح. والرِّق قد بَطَل الآن باتِّفاق الدول، ولا يوجَد منه إلا عدد قليل جِدًّا في الدول التي لم توقِّع على الاتِّفاقيّة الدّوليّة. (انتهى).

 ما هو الرق في الإسلام

يقول الدكتور يوسف القرضاوي :
 الرق في نظر الإسلام موضوع درست أحكامه في الكتب الدينية ، وألفت فيه كتب خاصة اهتمت ببيان أصل مشروعيته وموقف الإسلام منه ، والرد على الشبه المثارة حوله .‏
والرقيق قوة بشرية كان لها أثرها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الأزمان الغابرة، وجاء الإسلام فوجد الرق موجودًا في كل أنحاء الدنيا، وكانت وسائله متعددة، بعضها يقوم على الخطف والسرقة، فلم يشأ الإسلام أن يمنعه مرة واحدة حتى لا تكون هناك هزة، وهو في الوقت نفسه ظاهرة موجودة عند كل الأمم عندما تقوم الحروب بينها ويقع فيها أسرى من الجانبين يساوم كل على فدائهم .‏


فضيق الإسلام منابع الرق وحصرها في الحرب المشروعة التي تقوم بين المسلمين والكفار، وكذلك فيما يتوالد من الأرقاء السابقين .‏ وجعل ضرب الرق على الأسير بأمر الحاكم إن رأى فيه المصلحة .‏ ثم وسع أبواب الحرية بالعتق في مخالفات كثيرة ، كالفطر في رمضان والظهار والقتل والقسم أي الحلف وغير ذلك ، كما حبب في العتق بدون سبب موجب ، ورغب فيه ترغيبا كبيرا ، وإذا ضاق المنبع واتسع المصب كانت النتيجة قضاء على الرق بالتدريج .‏ وفي المسافة التي بين الرق والعتق أمر الإِسلام بالإِِحسان إلى الرقيق ، ونصوصه في ذلك كثيرة جاء فيها التعبير عن المملوكين بأنهم إخوان من ملكوهم ، وهي إخوة فى الإِنسانية تقتضى الرحمة والحفاظ على كرامتهم ، حتى كان عتق العبد كفارة عن ضربه وإهانته ، ولعل هذه الطيبة في معاملتهم تكون دعاية للإِسلام ومبادئه الإِنسانية العظيمة، على يد من يعتقون .‏ وموقف الإِسلام بهذه الخطوات الثلاثة الحكيمة :‏
-تضييق منابع الرق.
-وتوسيع منافذ الحرية.
-والإِحسان إلى المملوك والترغيب في عتقه.
موقف شريف يزري بالأساليب التي كانت موجودة قبل الإِسلام في بلاد الحضارة ، وبالأساليب التي اتخذها تجار الرقيق في القرون الأخيرة لتعمير الأراضي المكتشفة ، وحين اشتد التنافس بين الدول في هذه التجارة قرروا الاتفاق على منعها ، متذرعين -‏ صدقًا أو كذبًا -‏ بأنها منافية لكرامة الإِنسان ، واستبدلوا به رقًا آخر بالاحتلال وبسط النفوذ والتحكم في مصائر الشعوب الضعيفة .‏
وفي النهاية نهتف مباهين بالإِسلام وتشريعه وأسلوبه في معالجة المشكلات ، مؤمنين حقًا بقول اللَّه سبحانه {‏ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }‏ الأنبياء :‏ ‏107،