قبل أن نتحدَّث عن الموانع التي تحول دون وقوع المسلم في المعصية، لا بدَّ أن نؤكِّد أنَّ العبرة ليست بالخطأ، مادام الإنسان من طبيعته الخطأ، ولكنَّ العبرة في التوبة والرجوع في حال الخطأ لله تعالى، يقول الرسول ﷺ: “كلُّ بنى آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون”رواه أحمد والترمذيُّ وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
آثار الذنوب والمعاصي:
الإنسان يعترضه في كلِّ يومٍ مواقف وأهواء ونفسٌ وشيطان، كلُّها تجرُّه للمعصية والخطأ، وهذا هو طريق الخسران والعياذ بالله، فالمعصية والتمادي فيها مُهلِكةٌ ومُدمِّرةٌ للإنسان، ومن آثارها:
– أنَّ الإنسان يُحرَم من الرزق، وفى الحديث: “وإنَّ الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه”رواه أحمد وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
– وكذلك المعصية تحرم المسلم من العلم، فالعلم نورٌ من الله يقذفه في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور، وأحد الصالحين يقول: “إنِّي لأعصي الله فأرى ذلك في تعثُّر دابَّتي”.
– والمعصية تورث الذلّ، وفى الدعاء: “اللهمَّ أعزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك”.
– والمعصية تترك ظلمةً في القلب، وسواداً في الوجه، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “إنَّ للسيئة اسوداداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق”، وإذا أكثر العبد من المعاصي طُبِع على قلبه، فأصبح لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا: “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”.
– والمعاصي تمحق البركة من كلِّ شيء، في المال والبدن والأولاد، وتبعد الملائكة وتقرِّب الشياطين.
موانع الوقوع في المعصية:
أمَّا الحواجز والموانع التي تمنع من الوقوع في المعاصي فهي:
1- قوَّة الإيمان: كلَّما تمكَّن الإيمان من قلب المسلم، كان ذلك حائط صدٍّ ضدَّ المعاصي والذنوب والخطايا، والإيمان لا يقوى إلا بالطاعات والأعمال الصالحات من ذكرٍ وصيامٍ وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإكثار من فعل الخيرات، وصيام النوافل، وغير ذلك من الأعمال الطيِّبة التي تقوِّي الإيمان وتنمِّيه.
2- تقوى الله عزَّ وجلّ: والتقوى كما عرَّفها الإمام علي رضي الله عنه هي: “الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل”، كلُّ هذه المعاني إذا تجمَّعت في المسلم، فإنَّه حتماً سوف يكون تقيّا، بعيداً عن المعاصي والذنوب.
3- الابتعاد عن البيئات الموبوءة والفاسدة: فمَن يريد أن يحفظ نفسه من الوقوع في الزنا، عليه أن يبتعد عن مناظر التعرِّي والمشاهد المثيرة، والدافعة إلى الوقوع في الخطايا.
4- الصحبة الصالحة: يقول النبيُّ ﷺ: “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح. فلأنَّ الإنسان مدنيٌّ بطبعه -كما قال ابن خلدون-، فلا بدَّ له من صاحبٍ أو صديق، هذا الصديق ينبغي أن يكون صالحا، والرسول ﷺ يقول: “لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقيّ”رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح.
5- التسلُّح بالعلم: فإنَّ العلم نور، والجهل ظلمات، وبعض الناس تقع في الذنوب، وما يترتَّب عليها بسبب الجهل، وابن عباس يقول: ” فقيهٌ واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد.
6- لزوم البديل الشرعيّ: فإنَّ الله عزَّ وجلَّ ما حرَّم شيئاً إلاَّ أباح له بديلا، فالإنسان الذي اعتاد السرقة، ينبغي أن يقلع عنها، ويتَّجه إلى العمل الشريف والتكسُّب من حلال، فإنَّ لذلك طعمٌ ومذاقٌ خاصّ، ومن تُسوِّل له نفسه الزنا عليه أن يتزوَّج، وقد أوصى الرسول ﷺ بالزواج في حالة الاستطاعة.
7- حضور مجالس العلم: ومداومة الاستماع إلى الدعاة المؤثِّرين والعلماء الربَّانيِّين، ففي هذه المجالس تتغشَّى الرحمة أصحابها، وتحفُّهم الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده، وهذه المجالس تفقِّه المرء فيما خفي عليه، وتعينه على معرفة حدود الحلال والحرام.
8- الدعاء: فهو سلاحٌ ينبغي ألا نغفله، فالنبيُّ ﷺ كان دائم الدعاء، رغم أنَّ الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وكان من دعائه: “اللهمَّ يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، ….”رواه الترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح.
الوسائل المعينة على الثبات على الطاعة:
أولا: أن نتذكر دوما أنَّ المعصية تؤثِّر في القلب: قال ﷺ: “إنَّ العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكِتَتْ في قلبه نُكْتَةٌ سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صُقِل قلبُه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”رواه الترمذيُّ وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح، وقال الحسن رحمه الله تعالى: “الحسنة نورٌ في القلب، وقوَّةٌ في البدن، والسيِّئة ظلمةٌ في القلب، ووَهَنٌ في البدن”.
والمعصية تؤثِّر على الرزق أيضا، قال ﷺ: “إنَّ الرجل لَيُحْرَمُ الرزقَ بالذنب يُصِيبُهُ”رواه ابن ماجه بسندٍ حسن، ولا تأمننَّ أيها المسلم هجوم الموت عليك فجدِّد التوبة أوَّلا بأوَّل، ليبقى قلبك صافياً نقيّا.
ثانيا: الحفاظ على حدٍّ معيَّنٍ من العبادات لا تهبطي عنه بأيِّ حالٍ من الأحوال، من نوافل وأذكار مختلفة.
ثالثا: التزام رفقةٍ صالحةٍ من الأصحاب المتمسِّكين بدينهم، الناجحين في دنياهم، فإنَّهم خير عونٍ لك ووقايةٌ من العودة إلى المعصية، ويمكن أن تكون هذه الرفقة متمثلَّةً في فتاةٍ صالحةٍ تتزوَّجها، تعينك على الطاعة، وتساعدك في التوبة.
رابعا: الاشتغال بالعلم النافع، وحضور مجالس العلماء ومحاضراتهم وندواتهم، والعمل على تطوير التخصُّص الأكاديميِّ والأداء المهنيّ، والإنشغال بالقراءة النافعة في علوم الدنيا والآخرة، وخاصَّةً كتب الرقائق وتزكية النفس، وننصح بقراءة كتاب: مختصر منهاج القاصدين للعلاَّمة ابن قدامة المقدسيّ.
خامسا: برّ الوالدين، والتزام صلة الرحم، والإحسان إلى الإخوة والأخوات.
سادسا: الالتزام بطاعة الله في كل شيء.
طريقة النهوض بالإيمان ومحاربة الشيطان :
يقول الشيخ محمد صالح المنجد هناك عشرون نقطة حول مشروع عملي للنهوض بالإيمان، ومحاربة الشيطان جاء فيها:
1- تدبر القرآن العظيم: لا شك أن فيه علاجاً عظيماً، ودواء فعالاً قال الله عز وجل: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (82) سورة الإسراء، أما طريقة العلاج، فهي التفكر والتدبر (وقد كان رسول الله ﷺ، يتدبر كتاب الله، ويردده وهو قائم بالليل، حتى إنه في إحدى الليالي قام يردد آية واحدة من كتاب الله، وهو يصلي لم يجاوزها حتى أصبح وهي قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (118) سورة المائدة) رواه أحمد.
وقد كان صحابته ﷺ يقرؤون ويتدبرون ويتأثرون، وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً أسيفا رقيق القلب إذا صلّى بالناس وقرأ كلام الله لا يتمالك نفسه من البكاء، ومرض عمر من أثر تلاوة قول الله تعالى: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ(7)مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) (8) سورة الطور، وقال عثمان رضي الله عنه:(لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله).
ومن أعظم التدبر: أمثال القرآن؛ لأن الله سبحانه لما ضرب لنا الأمثال في القرآن؛ ندبنا إلى التفكر والتذكر، فقال: (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (25) سورة إبراهيم، وقال: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (21) سورة الحشر.
ويلخص ابن القيم رحمه الله ما على المسلم أن يفعله لعلاج قسوة قلبه بالقرآن، فيقول:”ملاك ذلك أمران:
-أن تنقل قلبك من وطن الدنيا، فتسكنه في وطن الآخرة، ثم تقبل به كله على معاني القرآن واستجلائها، وتدبر وفهم ما يراد منه، وما نزل لأجله،
-وأخذ نصيبك من كل آياته، وتنزلها على داء قلبك، فإذا نزلت هذه الآية على داء القلب برئ القلب بإذن الله “.
2- استشعار عظمة الله عز وجل، ومعرفة أسمائه وصفاته، والتدبر فيها، وعقل معانيها: واستقرار هذا الشعور في القلب، وسريانه إلى الجوارح؛ لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب، فهو ملكها وسيدها وهي بمثابة جنوده وأتباعه، فإذا صلح صلحت، وإذا فسد فسدت.
والنصوص من الكتاب والسنة في عظمة الله كثيرة إذا تأملها المسلم ارتجف قلبه وتواضعت نفسه للعلي العظيم وخضعت أركانه للسميع العليم وازداد خشوعاً لرب الأولين والآخرين.
3- طلب العلم الشرعي: وهو العلم الذي يؤدي تحصيله إلى خشية الله وزيادة الإيمان به كما قال الله تعالى:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (28) سورة فاطر، فلا يستوي في الإيمان: الذين يعلمون والذين لا يعلمون: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ )(9) سورة الزمر.
4- لزوم حلق الذكر: وهو يؤدي إلى زيادة الإيمان لعدة أسباب منها:
ما يحصل فيها من ذكر الله، وغشيان الرحمة، ونزول السكينة، وحف الملائكة للذاكرين، وذكر الله لهم في الملأ الأعلى، ومباهاته بهم الملائكة، ومغفرته لذنوبهم، كما جاء في قوله ﷺ:[ لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ] رواه مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد.
وقال ﷺ:ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم ]صحيح الجامع. قال ابن حجر رحمه الله:ويطلق ذكر الله ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على الجلوس للذكر ويسمونه إيماناً، قال معاذ رضي الله عنه لرجل:( اجلس بنا نؤمن ساعة ).
5- الاستكثار من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها: وهذا من أعظم أسباب العلاج، وهو أمر عظيم وأثره في تقوية الإيمان ظاهر كبير، وقد ضرب الصديق في ذلك مثلاً عظيماً لما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا] قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ:[فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً] قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ:[فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا] قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ:[ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا] قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ] رواه مسلم. فهذه القصة، تدل على أن الصديق رضي الله عنه كان حريصاً على اغتنام الفرص، وتنويع العبادات، ولما وقع السؤال من النبي ﷺ مفاجئاً دل ذلك على أن أيام أبي بكر رضي الله عنه كانت حافلة بالطاعات.
أمور يجب على المسلم مراعاتها في أعماله الصالحة:
وينبغي أن يراعي المسلم في مسألة الأعمال الصالحة أموراً منها:
أ- المسارعة إلى الأعمال الصالحة: لقوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)(133) سورة آل عمران، وقال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (21) سورة الحديد، ومدلول هذه الآيات كان محركاً للمسارعة عند أصحاب النبي ﷺ، ففي قصة غزوة بدر لما دنا المشركون قال النبي ﷺ: [ قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ] فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ:( يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ:[ نَعَمْ] قَالَ: بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ] قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ:[ فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا] فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ ) رواه مسلم وأحمد.
ومن قبل أسرع موسى للقاء الله، وقال: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (84) سورة طه. وامتدح الله زكريا وأهله، فقال:(إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (90) سورة الأنبياء. وقال النبي ﷺ: [التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ ]، رواه أبو داود وهو في صحيح الجامع.
ب- الاستمرار على الأعمال الصالحة: يقول ﷺ، عن ربه في الحديث القدسي: [وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ]رواه البخاري . وكلمة ( ما يزال ) تفيد الاستمرارية، ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] رواه الترمذي والنسائي وأحمد وهو في الصحيحة . والمتابعة تعني كذلك: الاستمرار، وهذا المبدأ مهم في تقوية الإيمان وعدم إهمال النفس حتى لا تركن وتأسن، والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع.
ج- الاجتهاد في الأعمال الصالحة: إن علاج قسوة القلب لا يصلح أن يكون علاجاً مؤقتاً يتحسن فيه الإيمان فترة من الوقت ثم يعود إلى الضعف بل ينبغي أن يكون نهوضاً متواصلاً بالإيمان وهذا لن يكون إلا بالاجتهاد في العبادة .
وقد ذكر الله في كتابه من اجتهاد أوليائه في عبادته أحولاً عدة فمنها: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) (15)تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (16) سورة السجدة.
وقال الله تعالى عنهم: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18)وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (19) سورة الذاريات. والاطلاع على حال السلف في تحقيق صفات العابدين شيء يبعث على الإعجاب ويقود إلى الاقتداء.
د- عدم إملال النفس: ليس المقصود من المداومة على العبادات أو الاجتهاد فيها إيقاع النفس في السآمة، وتعريضها للملل، وإنما المقصود عدم الانقطاع عن العبادة.
والموازنة بين الأمرين تكون بأن يكلف المسلم نفسه من العبادة ما يطيق ويسدد ويقارب وينشط إذا رأى نفسه مقبلة ويقتصد عند الفتور، ويدل على هذه التصورات مجموعة من الأحاديث منها: قوله ﷺ: [ إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا…]رواه البخاري والنسائي.
وفي رواية: [وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا] رواه البخاري، وقال البخاري رحمه الله: (باب: ما يكره من التشديد في العبادة) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ: [مَا هَذَا الْحَبْلُ] قَالُوا هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَا حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ] رواه البخاري ومسلم وأبوداود والنسائي وابن ماجه وأحمد.
هـ- استدراك ما فات من الأعمال الصالحة: فعن النبي ﷺ أنه قال: [مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ] رواه مسلم وأبوداود والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: [كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا وَكَانَ إِذَا فَاتَهُ الْقِيَامُ مِنْ اللَّيْلِ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ بِنَوْمٍ أَوْ وَجَعٍ صَلَّى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ النَّهَارِ] رواه أحمد.
و- رجاء القبول مع الخوف من عدم القبول: وبعد الاجتهاد في الطاعات، ينبغي الخوف من ردها على صاحبها، فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) (60) سورة المؤمنون، قَالَتْ عَائِشَةُ أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ: [لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ] رواه الترمذي وابن ماجه وهو في الصحيحة.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: “لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها ، إن الله يقول: إنما يتقبل الله من المتقين ( تفسير ابن كثير 3/67.
ومن صفات المؤمنين احتقار النفس أمام الواجب من حق الله تعالى: قال النبي ﷺ: [ قَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ يَمُوتُ هَرَمًا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَحَقَّرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] رواه احمد وهو في صحيح الجامع.
فمن عرف الله وعرف النفس يتبين له أن ما معه من البضاعة لا يكفي ولو جاء بعمل الثقلين، إنما يقبله سبحانه وتعالى بكرمه وجوده وتفضله ويثيب عليه بكرمه وجوده وتفضله.
6- تنويع العبادات: من رحمة الله وحكمته أن نوع علينا العبادات فمنها ما يكون بالبدن كالصلاة ومنها ما يكون بالمال كالزكاة ومنها ما يكون بهما معاً كالحج ومنها ما هو باللسان كالذكر والدعاء، وحتى النوع الواحد ينقسم إلى فرائض وسنن مستحبة والفرائض تتنوع، وسبحان الذي جعل أبواب الجنة على أنواع العبادات كما جاء عنه ﷺ: [مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ] رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد ومالك.
والمقصود المكثرون من أصحاب النوافل في كل عبادة أما الفرائض فلا بد من تأديتها للجميع، ويمكن الاستفادة من هذا التنوع في علاج ضعف الإيمان والاستكثار من العبادات التي تميل إليها النفس مع المحافظة على الفرائض والواجبات التي أمر الله بها، وهذا ويمكن للمرء المسلم إذا استعرض نصوص العبادات أن يجد أنواعاً فريدة لها آثار ومعان لطيفة في النفس قد لا توجد في غيرها وهذان مثالان:
– عن النبي ﷺ قال:[ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ وَثَلَاثَةٌ يَشْنَؤُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أمَّا الثَلَاثَةٌ الَذينَ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ: الرَّجُلُ يَلْقَى الْعَدُوَّ فِي الْفِئَةِ فَيَنْصِبُ لَهُمْ نَحْرَهُ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لِأَصْحَابِهِ وَالْقَوْمُ يُسَافِرُونَ فَيَطُولُ سُرَاهُمْ حَتَّى يُحِبُّوا أَنْ يَمَسُّوا الْأَرْضَ فَيَنْزِلُونَ فَيَتَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَيُصَلِّي حَتَّى يُوقِظَهُمْ لِرَحِيلِهِمْ وَالرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ يُؤْذِيهِ جِوَارُهُ فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْنٌ…] رواه أحمد وهو في صحيح الجامع.
– أتى النبي ﷺ رجل يشكو قسوة قلبه، فقال له ﷺ: [أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك] رواه الطبراني، وانظر الصحيحة. وهذا شاهد مباشر لموضوع علاج ضعف الإيمان.
7- الخوف من سوء الخاتمة: لأنه يدفع المسلم إلى الطاعة ويجدد الإيمان في القلب، أما سوء الخاتمة فأسبابها كثيرة منها: ضعف الإيمان والانهماك في المعاصي، وقد ذكر النبي ﷺ لذلك صوراً مثل: قوله ﷺ: [مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا] رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي.
وأحوال الناس في سوء الخاتمة كثيرة سطر أهل العلم عدداً منها، فمن ذلك ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب “الداء والدواء ” أنه قيل لبعضهم عند موته قل: لا إله إلا الله، فقال: لا أستطيع أن أقولها، وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء، وقيل لتاجر – ممن ألهته تجارته عن ذكر الله – لما حضرته الوفاة قل: لا إله إلا الله، فجعل يقول هذه قطعة جيدة … هذه على قدرك … هذه مشتراها رخيص حتى مات.
8- الإكثار من ذكر الموت: يقول الرسول ﷺ: [ أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ] رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وهو في صحيح الجامع.
وتذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ولا يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه، ومن أعظم ما يذكر بالموت زيارة القبور؛ ولذلك أمر النبي ﷺ بزيارتها، فقال: [كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجراً] رواه الحاكم وهو في صحيح الجامع.
وكان السلف رحمهم الله يذكرون الموت عند نصح رجل يواقع معصية، فهذا أحد السلف رحمه الله وكان في مجلسه رجل ذكر آخر بغيبة، فقال واعظاً الذي يغتاب: “اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك” أي عند التكفين.
9- تذكر منازل الآخرة: والقرآن العظيم فيه ذكر كثير لمشاهد اليوم الآخر في سورة ق والواقعة والقيامة والمرسلات والنبأ والمطففين والتكوير، وكذلك في مصنفات الحديث مذكورة فيها تحت أبواب مثل القيامة، والرقاق، والجنة، والنار، ومن المهم كذلك في هذا الجانب قراءة كتب أهل العلم المفردة لهذا الغرض مثل: حادي الأرواح لابن القيم، والنهاية في الفتن والملاحم لابن كثير، والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي، والقيامة الكبرى والجنة والنار لعمر الأشقر وغيرها. والمقصود: أن مما يزيد الإيمان: العلم بمشاهد القيامة كالبعث والنشور، والحشر، والشفاعة، والحساب، والجزاء، والقصاص، والميزان، والحوض، والصراط، ودار القرار، والجنة أو النار.
10- التفاعل مع الآيات الكونية: فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ قَالَتْ وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ فَقَالَ [يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) (24) سورةالأحقاف] رواه البخاري ومسلم.
11- ذكر الله تعالى: وهو جلاء القلوب وشفاؤها، ودواؤها عند اعتلالها، وهو روح الأعمال الصالحة، وقد أمر الله به فقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) (41) سورة الأحزاب. ووعد بالفلاح من أكثر منه، فقال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (45) سورة الأنفال، وذكر الله أكبر من كل شيء، قال تعالى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) (45) سورة العنكبوت، وهو وصية النبي ﷺ لمن كثرت عليه شرائع الإسلام فقال له: [لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ] رواه الترمذي وابن ماجه.
وهو مرضاة للرحمن مطردة للشيطان مزيل للهم والغم وجالب للرزق فاتح لأبواب المعرفة وهو غراس الجنة وسبب لترك آفات اللسان، وهو سلوة أحزان الفقراء الذين لا يجدون ما يتصدقون به فعوضهم الله بالذكر الذي ينوب عن الطاعات البدنية والمالية ويقوم مقامها، وترك ذكر الله من أسباب قسوة القلب.
ولذلك لا بد لمن يريد علاج ضعف إيمانه من الإكثار من ذكر الله، قال الله تعالى مبيناً أثر الذكر على القلب: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (28) سورة الرعد. وبعض الذين يشكون من ضعف الإيمان تثقل عليهم بعض وسائل العلاج كقيام الليل والنوافل فيكون من المناسب لهم البدء بهذا العلاج والحرص عليه.
12- مناجاة الله والانكسار بين يديه عز وجل: وكلما كان العبد أكثر ذلة وخضوعاً كان إلى الله أقرب؛ ولهذا قال رسول الله ﷺ: [أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ] رواه مسلم وأبوداود والنسائي وأحمد. لأن حال السجود فيها ذلة وخضوع ليست في بقية الهيئات والأوضاع، فلما ألزق العبد جبهته في الأرض – وهي أعلى شيء فيه – صار أقرب ما يكون من ربه.
وكذلك إظهار الافتقار إلى الله مما يقوي الإيمان والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا بفقرنا إليه وحاجتنا له، فقال سبحانه: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (15) سورة فاطر.
13- قصر الأمل: وهذا مهم جداً في تجديد الإيمان، يقول ابن القيم رحمه الله: “ومن أعظم ما فيها هذه الآية: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ(205)ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ(206)مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) (207) سورة الشعراء، (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) (35) سورة الأحقاف، فهذه كل الدنيا، فلا يطول الإنسان الأمل، يقول: سأعيش وسأعيش، قال بعض السلف لرجل صلّ بنا الظهر، فقال الرجل: إن صليت بكم الظهر لم أصل بكم العصر، فقال: وكأنك تؤمل أن تعيش لصلاة العصر، نعوذ بالله من طول الأمل.
14- التفكر في حقارة الدنيا حتى يزول التعلق بها من قلب العبد: قال الله تعالى: ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (185) سورة آل عمران، وقال النبي ﷺ: [إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلاً، فانظر ما يخرج من ابن آدم، وإن قزحه وملحه، قد علم إلى ما يصير] رواه الطبراني وهو في الصحيحة. وقال ﷺ: [الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ أَوْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا] رواه ابن ماجه والترمذي وهو في صحيح الترغيب.
15- تعظيم حرمات الله: يقول الله تعالى: }وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ(32) { سورة الحج وحرمات الله هي حقوق الله سبحانه وتعالى، وقد تكون في الأشخاص وقد تكون في الأمكنة وقد تكون في الأزمنة.
16- الولاء والبراء: أي موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، وذلك أن القلب إذا تعلق بأعداء الله يضعف جداً، وتذوى معاني العقيدة فيه، فإذا جرد الولاء لله، فوالي عباد الله المؤمنين وناصرهم، وعادى أعداء الله ومقتهم؛ فإنه يحيى بالإيمان.
17- وللتواضع دور فعال في تجديد الإيمان وجلاء القلب من صدأ الكبر: لأن التواضع في الكلام والمظهر دال على تواضع القلب الله، وقد قال ﷺ: [الْبَذَاذَةُ مِنْ الْإِيمَانِ] رواه ابن ماجه وأبو داود وهو في الصحيحة. ومعناه: أراد التواضع في الهيئة واللباس. وقال أيضاً: [مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا] رواه الترمذي وأحمد وهو في الصحيحة. وقد كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله لا يعرف من بين عبيده.
18- وهناك أعمال للقلوب مهمة في تجديد الإيمان مثل: محبة الله والخوف منه ورجاؤه، وحسن الظن به والتوكل عليه، والرضا به وبقضائه، والشكر له والصدق معه واليقين به، والثقة به سبحانه، والتوبة إليه، وما سوى ذلك من الأعمال القلبية. وهناك مقامات ينبغي على العبد الوصول إليها لاستكمال العلاج كالاستقامة والإنابة والتذكر والاعتصام بالكتاب والسنة والخشوع والزهد والورع والمراقبة، وقد أفاض في هذه المقامات ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين.
19- ومحاسبة النفس مهمة في تجديد الإيمان: يقول جل وعلا: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (18) سورة الحشر، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا “، ويقول الحسن:” لا تلقى المؤمن إلا وهو يحاسب نفسه”، وقال ميمون بن مهران: “إن التقي أشد محاسبة لنفسه من شريك شحيح”. وقال ابن القيم رحمه الله: “وهلاك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها، فلا بد أن يكون للمسلم وقت يخلو فيه بنفسه فيراجعها ويحاسبها وينظر في شأنها، وماذا قدم من الزاد ليوم المعاد”.
20- وختاماً فإن دعاء الله عز وجل من أقوى الأسباب: التي ينبغي على العبد أن يبذلها كما قال النبي ﷺ: [إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم] رواه الحاكم والطبراني …
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.