يقول الدكتور السيد صقر، المدرس بجامعة الأزهر.

هل من مات قبل البلوغ يكون في الجنة:

من مات من الأولاد قبل البلوغ فإنه يكون من أهل الجنة ، سواء كان من أولاد المسلمين أو من أولاد غيرهم ، لأنه مسلم بفطرته ولم يجر عليه القلم ، فلم تكتب عليه سيئة واحدة ، وهؤلاء الأولاد يبعثون يوم القيامة كما هم في نفس السن ، ويجعلهم الله تعالى زينة في الجنة يطوفون على أهلها بالقوارير والكئوس كأنهم اللؤلؤ المنثور في الجنة ، كما قال تعالى : ( يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين ) وقال تعالى : ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا )، فهم مخلدون على صفتهم ، فيظلون ولدانا لا يكبرون ولا يصيرون شبابا.

وكل من مات من صغير أو كبير ، إنسانا كان أو جانا أو طيرا أو حيوانا : فإنما يموت عند انقضاء أجله ، أيا كان سبب موته ، طبيعيا أو في حادثة طريق أو غيرها كصعق كهرباء أو غرق أو تردٍ أو هدم أو حرق أو قتل أو غير ذلك ، فكل ذلك أسباب للموت ، والموت يقع عند انتهاء الأجل بأي سبب ، وربما يقع من غير سبب، فالله تعالى كتب لكل إنسان رزقه وأجله وحدده وهو في بطن أمه ، حيث أخبرنا الصادق المصدوق في صحيح البخاري أن الإنسان حين يتم الأربعة أشهر ـ وفي رواية الإمام أحمد: أربعين ليلة ـ يأتيه الملك ويأمره الله بنفخ الروح فيه وكتابة أجله ورزقه وعمله وأنه شقي أو سعيد، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق : ” إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يُبعث إليه الملك، فيُؤذن بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار. وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها”.

 وفي رواية مسلم : ” يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين، أو خمسة وأربعين ليلة. فيقول: يا رب! أشقي أو سعيد؟ فيكتبان. فيقول: أي رب! أذكر أو أنثى؟ فيكتبان. ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه. ثم تطوى الصحف. فلا يزاد فيها ولا ينقص”.

 ولا يجوز أن يقول أحد : لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن يقول: قدر الله وما شاء فعل، فإن “لو” تفتح عمل الشيطان (رواه مسلم) كما علمنا الرسول .
إن المؤمن يوقن أن قدر الله نافذ لا محالة، فلم السخط؟ ولم الضيق والتبرم؟ والله تعالى يقول: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور) (الحديد: 22، 23).
وفي غزوة أحد التي قتل فيها سبعون من المسلمين، نعى القرآن على طائفة من المنافقين ومرضى القلوب، وضعاف الإيمان، عاشوا بين “لو” المتندمة و”ليت” المتحسرة، فيقول: (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يقولون: هل لنا من الأمر من شيء؟ قل إن الأمر كله لله، يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك، يقولون: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا، قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) (آل عمران: 154).
ويرد على أولئك الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا: (لو أطاعونا ما قتلوا، قل فادرأوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) (آل عمران: 168).
المؤمن لا يقف موقف هؤلاء المنافقين، ولا موقف إخوانهم من الكفار الذين نهى القرآن عن التشبه بهم في تحسراتهم الأسيفة، وتمنياتهم الحزينة (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم، والله يحيي ويميت، والله بما تعملون بصير * ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة، خير مما يجمعون * ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) (آل عمران: 156 – 158).
إن شعار المؤمن دائماً: “قدر الله وما شاء فعل .. الحمد لله على كل حال” وبهذا لا يأسى على ما فات، ولا يحيا في خضم أليم من الذكريات، وحسبه أن يتلو قوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله، ومن يؤمن بالله يهد قلبه، والله بكل شيء عليم) (التغابن: 11)
وهذا يسبغ عليه أيضاً نعمة الرضا .

  وليس بعد الصبر على مراد الله إلا البشرى من الله تعالى ، قال تعالى : {وبشر الصابرين } فثواب الصبر مطلق غير محدود، ومنزلة الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، وكما في الحديث :( الصبر ضياء ) ، وقد وعد الله الصابر على فقد ولده بالجنة إذا صبر واحتسب ولده عند الله تعالى .

 وأما بقية أعماله فإنه محاسب عليها ، فإن كانت سيئها قليلا فتمحوه الحسنات ، وإلا فلعل شفاعة ولده الذي احتسبه تنجيه من عقابها ، وذلك أمر يرجع إلى إرادة الله تعالى .

يقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد ـ:
ثبت في الكتاب والسنة نصوص كثيرة تدل على فضل الصابرين وعظيم أجرهم ، وأن الله يوفيهم أجرهم بغير حساب . وهذا يشمل كل من صبر على أي مصيبة ابتلي بها ، ولا شك أن فقد الولد من المصائب العظيمة على من وقعت عليه ، فمن صبر عليها ورضي بقضاء الله وقدره ، حصل له هذا الأجر العظيم بفضل الله وكرمه .

وهذه بعض النصوص من كتاب الله لعلها تكون مسلية لمن توفي له طفل قبل البلوغ:
قال الله تعالى : ” ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة / 155 ، 156 ،157 ) .
وقال سبحانه : ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) آل عمران /146 .
وقال جل شأنه : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر / 10 . والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا .

وأما الأحاديث فهي كثيرة أيضا منها :
ما رواه مسلم ( 5318 ) عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ” هذا في فضل الصبر عامة .

فضل الصبر على فقد الإبن:

وقد ورد في فضل الصبر على فقد الولد خاصة أحاديث منها : ما رواه الترمذي ( 942 ) عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلانِيُّ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ أَلا أُبَشِّرُكَ يَا أَبَا سِنَانٍ قُلْتُ بَلَى فَقَالَ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ : ” ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ ” حسنه الألباني في السلسة الصحيحة ( 1408 ) .

وورد في الصحيحين أجر خاص لمن توفي له أكثر من طفل فصبر واحتسب فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا فَوَعَظَهُنَّ وَقَالَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ كَانُوا حِجَابًا مِنْ النَّارِ قَالَتْ امْرَأَةٌ وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ ” أخرجه البخاري (99 ) ومسلم (4786 ) .
وفي رواية عند البخاري ( 1292 ) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَا مِنْ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ .”
فهذه الأحاديث تبين أن من توفي له ولدان أو أكثر فصبر عليهما أنه موعود بالجنة ، والنجاة من النار .

ماذا يقول المسلم عند المصيبة:

علَّمنا نبينا دعاء نقوله عند المصيبة فيه فضل وأجر عظيم وهو ما رواه مسلم في صحيحه ( 1525 ) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ : ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.