الخلفاء الأربعة الراشدون أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب معروفون مشهورون رضي الله عنهم أجمعين، وكلهم مبشرون بالجنة، وأمر النبي ﷺ بالاقتداء بسنتهم كما في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.
والحديث عن سيرهم يطول فقد صنفت فيهم مصنفات كثيرة قديمة وحديثة، ولكن نذكر نبذة مختصرة جداً عنهم:
أبو بكر الصديق:
هو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن كعب التيمي القرشي، وكنيته أبو بكر أمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر التيمي، ولد سنة 51 ق.هـ (573م) أول من آمن برسول الله ﷺ من الرجال، وأول الخلفاء الراشدين، سمي بالصديق لأنه صدق النبي ﷺ في خبر الإسراء، وقيل لأنه كان يصدق النبي ﷺ في كل خبر يأتيه من السماء، كان يدعى بالعتيق، لأن النبي ﷺ قال له: يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار، كان سيداً من سادات قريش وغنياً من كبار موسريهم، وكان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية.
كانت له في عصر النبوة مواقف كبيرة، فشهد الحروب واحتمل الشدائد وبذل الأموال، وكان رفيق النبي ﷺ في هجرته إلى المدينة وإليه عهد النبي ﷺ بالناس حين اشتد به المرض، بويع بالخلافة يوم وفاة النبيﷺ سنة 11 للهجرة، حارب المرتدين والممتنعين عن أداء الزكاة وأقام دعائم الإسلام.
افتتحت في أيامه بعض بلاد الشام والعراق، توفي ليلة الثلاثاء لثمان خلون من جمادى الآخرة وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر ونصفاً.
عمر بن الخطاب:
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي القرشي، أبو حفص ولقبه النبي ﷺ بالفاروق، أمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة المخزومية وهي أخت أبي جهل عمرو بن هشام، وهو ثاني الخلفاء الراشدين، وأول من لقب بأمير المؤمنين، كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم، وكانت له السفارة فيهم، ينافر عنهم وينذر من أرادوا إنذاره، أسلم قبل الهجرة بخمس سنوات وشهد الوقائع مع النبي ﷺ، وأرسله النبي ﷺ في عدة سرايا.
بويع بالخلافة يوم وفاة أبي بكر الصديق وبعهد منه، بعد استشارة الناس فيه فوافقوه، ولاه أبو بكر القضاء في عهده فكان أول قاضٍ في الإسلام، ولم يأته مدة ولايته القضاء متخاصمان، لأن طلاوة الإيمان وأخوة الإسلام كانت تمنع الناس من التخاصم، فإذا اختلفوا استفتوا ونزلوا عند إفتاء من يفتيهم من الصحابة، قطع العطاء عن المؤلفة قلوبهم بعد اعتزاز الإسلام وقوة شوكته، أخضع أراضي البلاد المفتوحة عنوة للخراج ولم يقسمها بين الغانمين، لكي يستكملوا فريضة الجهاد، وأعادها إلى أصحابها الذين كانوا عليها وجعل خراجها حقا للمسلمين.
أول من بدأ التاريخ بسنة الهجرة النبوية، وأول من دون الدواوين في الإسلام، جعلها على الطريقة الفارسية، لإحصاء الأعطيات، وتوزيع المرتبات لأصحابها حسب سابقتهم في الإسلام، اتخذ بيت مال المسلمين، وكانت الدراهم على أيامه على نقش الكسروية، فزاد فيها (الحمد لله) وفي بعضها زاد (لا إله إلا الله)، وفي بعضها (محمد رسول الله)، رد النساء المسبيات في حرب الردة إلى عشائرهن، وقال: كرهت أن يصير السبي سبة على العرب، ضرب في شرب الخمر ثمانين جلدة، وكانت أربعين وحرم المتعة ونهى عن بيع أمهات الأولاد، اتخذ داراً للدقيق وجعل فيها الدقيق والتمر والسويق والزبيب وما يحتاج إليه، يعين به المنقطع، وكان يخرج إذا صلى الآخرة -أي العشاء- فيطوف بدرته على من في المسجد، فينظر إليهم ويعرف وجوههم ويسألهم هل أصابوا عشاء، وإلا خرج فعشاهم، كان له عيون يتقصى بها أحوال الجيش وأحوال عماله في الأمصار، وكان إذا أتاه وفد من مصر من الأمصار سألهم عن حالهم وأسعارهم وعمن يعرف من أهل البلاد وعن أميرهم، وهل يدخل عليه الضعيف وهل يعود المريض، فإن قالوا نعم، حمد الله، وإن قالوا: لا، كتب إليه: أقبل، كان إذا بعث عاملاً يشترط عليه أربعاً: ألا يركب البراذين، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل النقي، ولا يتخذ بواباً.
ومر يوماً ببناء يبنى بحجارة وجص، فقال: لمن هذا؟ فذكروا عاملاً له على البحرين، فقال: أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها، وشاطره ماله، في أيامه تم فتح الشام والعراق وافتتحت القدس والمدائن ومصر والجزيرة وخراسان وكرمان وسجستان وقبرص.
وانتصب في مدة خلافته اثنا عشر ألف منبر في الإسلام، أنشأ سبلا بين مكة والمدينة ووفر بذلك على السالكين حمل الماء، قالت له أم حكيم بنت الحارث اتق الله يا عمر، فقام إليها أحد الحاضرين يريد لطمها، فمنعه عمر وقال له: دعها تقول، فوالله لا خير فيهم إن لم يقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها، كان عمر يقول: لو مات جمل ضياعا على شط الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه، وكان يقول: أحب الناس إلي من أهدى إلي عيوبي.
أجلى يهود خيبر إلى الشام ونصارى نجران إلى الكوفة وقال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، اغتاله أبو لؤلؤة فيروز الفارسي غلام المغيرة بن شعبة في صبيحة يوم الأربعاء 25 ذو الحجة وهو يؤم الناس في صلاة الفجر، فمات ودفن إلى جانب أبي بكر في الروضة الشريفة التي دفن فيها رسول الله ﷺ، كانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر، قال عنه النبي ﷺ: إن الله جعل الحق على لسان عمر، وقال أبو بكر إنه سمع رسول الله ﷺ يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر. ، توفي عن ثلاث وستين من العمر.
عثمان بن عفان:
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، الأموي القرشي، أبو عبد الله وأبو عمرو، أمه أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس، من كبار رجال الإسلام الذين اعتز بهم عند ظهوره، ولد بمكة وأسلم بعد البعثة بقليل، كان غنياً، شريفاً في الجاهلية، ومن أعظم أعماله تجهيزه جيش العسرة في السنة التاسعة للهجرة، وكان النبي ﷺ قد غزا فيه (تبوك)، هو أحد العشر المبشرين بالجنة، تولى الخلافة بعد اغتيال عمر بن الخطاب فهو ثالث الخلفاء الراشدين.
كان عهد عثمان عهد فتوحات ففي عهده فتحت أرمينية وأذربيجان وإفريقية وبدأ غزو الروم براً وبحراً، وفتحت جزيرة قبرص، وفي سنة 27 هـ أرسل حملة بحرية لغزو سواحل الأندلس، وهو أول من فكر في فتح القسطنطينية واقتحام أوروبا عن طريق إسبانيا للوصول إليها، وكان أمره بغزو سواحل إسبانيا لهذه الغاية.
يرجع إليه الفضل في إزالة الخلاف في قراءة القرآن بجمعه صحفه التي كانت محفوظة عند حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين، زوج النبي ﷺ ونسخها في مصحف واحد بمعرفة زيد بن ثابت وآخرين من الصحابة الحافظين للقرآن، وأمر بإحراق ما سواه.
اتهم بتولية أصحابه وأقربائه مناصب الدولة، وبسبب ذلك هاج الخارجون عليه من الأمصار، وحاصروه في داره وطلبوا إليه أن يتخلى عن الخلافة فلما أبى ذلك دخلوا عليه وقتلوه ونهبوا داره وعدلوا إلى بيت المال فأخذوا ما فيه.
وبمقتل عثمان انعطفت مسيرة التاريخ الإسلامي إلى عهد بدأت فيه الفتن ونشبت فيه الثورات، وانقضى عهد الطبقة الأولى في الإسلام وهي عصر النبي ﷺ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وست سنوات من عهد عثمان رضي الله عنه، ففي هذا العهد كان المسلمون على التوحيد الصحيح المخلص مع الألفة واجتماع الكلمة على الكتاب والسنة، وليس هناك عمل قبيح ولا بدعة فاحشة ولا نزع يد من طاعة ولا حسد ولا غل ولا تأول، حتى الذي كان من قتل عثمان وما انتهك منه، قتل عثمان في شهر ذي الحجة في يوم الجمعة، بعد حصار دام شهرين، وكان عمره 82 عاماً.
علي بن أبي طالب:
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو الحسن أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية، أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول الفتيان إسلاماً، ابن عم النبي ﷺ وصهره وأحد الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والفصحاء والعلماء بالقضاء والفتيا، كان اللواء في يده في أكثر المشاهد، ولم يتخلف في مشهد من المشاهد إلا في غزوة تبوك ليرعى عياله، اختاره عمر بن الخطاب بعد طعنه بين الستة من أصحاب الشورى ليخلفه واحد منهم، وهم علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص بويع بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان سنة 35هـ.
قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على يد عبد الرحمن بن ملجم الخارجي في يوم 17 رمضان سنة 40هـ، وقد اختلف في مكان قبره، وكان عمره يوم قتل 63سنة، روى عن النبي ﷺ فأكثر، وروى عنه بنوه الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية ، وروى عنه الصحابة وكثير من التابعين، وكان عمر بن الخطاب يرجع إليه في المعضلات، وكان الصحابة إذا ثبت لهم الشيء عن علي لم يعدلوا به إلى غيره، وكان النبي ﷺ عند رجوعه إلى المدينة من حجة الوداع سنة 10هـ توقف في غدير خم وقال لمن معه: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.