حكم التسوق الشبكي الهرمي:

التسويق الشبكي (الهرمي) بكافة صوره وأشكاله حرام، وبهذا أفتى عدد من فقهاء الشريعة والاقتصاد الإسلامي في العالم العربي والإسلامي، وكذلك بعض المجامع الفقهية ودور الإفتاء التي عرضت للمسألة، وعلة الحكم هنا في هذه المسألة اجتماع عقدين في عقد ، واشتمال المعاملة على الغرر والمقامرة والجهالة الفاحشة التي تبطل عقود المعاوضات، وهذا الغرر سببه التسوق الشبكي (الهرمي) . ويكفي أن دول أوربا وأمريكا جرمت هذه المعاملات نظرا لخطورتها على الاقتصاد، وقد جاءت الشريعة لرفع الضرر فلا ضرر ولا ضرار .

ولو أرادت الشركة تصحيح العقد فلابد أن تتخلى عن طريقة التسوق الشبكي، وألا تجمع عقدين في عقد.

إن الشريعة الإسلامية لا تقف في طريق الربح الحلال مهما كان قدره ، بل حثت على تنمية المال واستثماره بكافة الطرق المشروعة، ووضعت البدائل للمعاملات الربوية أو تلك التي تشتمل على الربا والغرر والمقامرة، ودائرة الحلال أوسع وأرحب بكثير من دائرة الحرام، لكن الناس يضيقون على أنفسهم ويحصرونها في دائرة ضيقة وفي معاملات وافدة إلينا من الغرب أو الشرق غير المسلم الذي يصدر إلينا تلك المعاملات الضارة حتى ينتفع بأموالنا ويدمر اقتصادنا ويجعلنا نسايره ونقتفي خطوه في كل سوء.

وقد سيطر على الشباب في الفترة الأخيرة شعور الربح السريع لأن الحياة أصبحت سريعة الآن في كل شيء في المواصلات والاتصالات وغيرها فهو يريد أن يختصر المسافات ويقفز على سنن الله التي وضعها في الكون، وربما ينظر إلى والده أو جاره أو قريبه الذي كون ثروة خلال خمسين عاما فلا يصبر على هذه السنين الطوال، ويريد أن يحصّل ما حصّل الناس في عشرات السنين يريد أن يحصله في عام أو بعض عام.

ولقد وضع الله سننا في الكون، وسنن الله غلابة فعلينا أن نغالبها ونستفيد منها حسبما أمر الله عز وجل.

حقائق مهمة لكل من يريد الثراء السريع من هذه الألعاب:

نريد أن نقول لهؤلاء الشباب الذين تركوا دراستهم وأعمالهم وساروا في هذا الطريق من أجل هذا الثراء السريع الذين يعيشون في  حلم جميل سرعان ما يذهب، أو في سراب خادع سرعان ما ينكشف، نريد أن نضع أيديهم على هذه الحقائق التالية :

أولا: أن الرزق والأجل مضمونان من الله حيث يقول الله تعالى : (وفي السماء رزقكم وما توعدون ) ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن روح القدس قد نفث في روعي ألا تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لا يطلب بمعصيته.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ” إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يُبعث إليه الملك، فيُؤذن بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار. وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها”.

وفي رواية مسلم : ” يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين، أو خمسة وأربعين ليلة. فيقول: يا رب! أشقي أو سعيد؟ فيكتبان. فيقول: أي رب! أذكر أو أنثى؟ فيكتبان. ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه. ثم تطوى الصحف. فلا يزاد فيها ولا ينقص”.

ثانيا: أن من ترك شيئا لله أبدله الله خيرا منه فلا يغرنكم هذه الأموال الكثيرة فقليل دائم خير من كثير منقطع، وكل دم نبت من سحت فالنار أولى به.

ثالثا: أن فتاوى المجامع الفقهية أولى من فتاوى الأفراد أيا كان علمهم أو قدرهم وبخاصة في تلك القضايا المعقدة المتشابكة الحادثة.

رابعا : أنه داخل الفتوى نفسها توجد تخصصات متعددة فلا يوجد فقيه يفتي في كل شيء وعلى السائل أن يقدر التخصص في الفقه والفتوى وبخاصة المعاملات المالية المستحدثة والمستجدة فلا يذهب إلا إلى المتخصص فيها.

خامسا : علينا بعد الأخذ بالأسباب أن نستفتي قلوبنا وإن أفتانا المفتون فالبر سلامة الصدر والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه الناس ، ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه .

سادسا: لقد حرمت الشريعة الغراء كل ما فيه غرر أو مقامرة أو ثراء على حساب الغير، ونحن نتابع هذه المعاملات منذ سنوات ونجد أنها تشتمل على الغرر والمقامرة وتغليب روح الأثرة والأنانية بين المشتركين فكل واحد منهم يعلم أن ثراءه على حساب أخيه، ولذلك حرم التسوق الشبكي لهذا الغرض.

سابعا: أن البيع والشراء يتحول في مسألة التسوق الشبكي إلى غاية وهدف بعد أن كان وسيلة فكل المتعاملين تحولوا إلى بائعين ومسوقين وهذا ضد طبائع الأشياء وضد الحكمة التي شرع من أجلها البيع.

ثامنا: كل الشركات التي عملت في هذا النوع من التسوق انهارت بعد أن أكلت أموال الناس بالباطل وجعلت بعضهم يأكل مال أخيه ثم انهارات وخلفت ورائها آلاف بل ملايين من المتحسرين على مالهم الذي يذهب أدراج الرياح.

تاسعا: أن خبراء الاقتصاد من المسلمين ومن غير المسلمين أفتوا بخطورة هذه المعاملات على الاقتصاد القومي، لأنها تبيع الوهم مهما كانت هناك سلعة أو جهازا أو برامج أو غيرها فكل ذلك للتحايل فقط، وقد صدرت القوانين في أمريكا وأوربا بتجريم هذه المعاملات على الرغم من أن هذه الدول تبيح القمار والربا والغرر لكنها وجدت أن هذا قمار بغير رقابة تضمن للمتقامرين حقوقهم وتؤثر على الاقتصاد المحلي.

عاشرا: لو أرادت هذه الشركة أن تجعل معاملاتها حلالا فعليها أن تلتزم بشرطين وهما أسباب التحريم:

الأول : أن تفصل بين عقديى الوساطة والبيع فتجعلهما عقدين منفصلين لا صلة لأحدهما بالأخر فمن الممكن أن يشتري المسلم هذا الجهاز إن كان محتاجا إليه وثبتت جدواه، أو يسوقه دون أن يشتريه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعه، فقد أخرج الترمذي ‏عن‏ ‏أبي هريرة قال :ـ “‏نهى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏عن‏‏ بيعتين في بيعة ‏.
و‏‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏ ‏وابن عمر ‏ ‏وابن مسعود نفس الحديث بألفاظ مختلفة. ‏
‏وقال‏ الترمذي‏ ‏حديث ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏حديث حسن صحيح ‏ ‏والعمل على هذا عند أهل العلم.

وهذا بعد اعتماده من كافة الجهات التي تشرف على مثل هذه الأجهزة الطبية حتى لا نغرر بالناس وتذكر أشياء ربما تكون صحيحة أو غير صحيحة، وعندنا من المراكز المعتمدة في إجازة الأجهزة الطبية الكثير بالإضافة إلى نقابة الأطباء أو الصيادلة  وغيرها مما يضمن أن الجهاز مفيد في رفع أو تخفيف المرض…

ثانيا:  وهذا هو الأهم أن يكون التوزيع بطريق التسويق العادي الحر لا الشبكي ولا الهرمي فكل من يشتري جهازا أو يبيعه يأخذ مبلغا محددا من المال دون اللجوء إلى هذه الحيلة التي تغري الناس بالشراء سواء كانوا محتاجين إلى هذا الجهاز أم لا.

حكم التسوق الهرمي بمسمياته المختلفة:

ويقول فضيلة الدكتور علي السالوس أستاذ الاقتصاد الإسلامي:

فمنذ ما يزيد على عقدين من الزمان ظهرت فكرة لعبة النصب الهرمية، وقد ظهرت في الغرب ثم دخلت بلاد الإسلام، واتخذت أسماء مختلفة، مثل: هانك، والدولار الصارخي، والبنتاجون، وغيرها.

وتبدأ بشراء قائمة فيها ستة أسماء مثلاً، مرتبين من المرتبة الأولى إلى السادسة، في أسفل القائمة يكتب المشتري اسمه وعنوانه باعتباره مشتركًا جديدًا، ويرسل مبلغًا مماثلاً للشركة غير المبلغ الذي دفعه ثمنًا للقائمة، ويرسل مثله أيضًا لحساب المشترك رقم (1) في أعلى القائمة، إذن المبلغ الذي يدفع تأخذ

الشركة ثلثيه، ويبقي الثلث للمشتركين، والشركة تأخذ الثلثين مقابل لا شيء سوى أنها تقوم بعملية المقامرة، فجوهر المقامرة هو غُرم محقق مقابل غُنم محتمل، هذا واضح في المسابقات التي تعلن في وسائل الإعلام؛ فهو مثلاً يدفع ثمن المكالمة الهاتفية وهذا غرم محقق، مقابل غنم محتمل من ربح المليون أو المليونين أوالسيارة أو غير ذلك.

لعبة قذرة يستفيد منها كثير من الشركات.

والمشترك الأول في اللعبة الهرمية يغرم المبلغ الذي دفعه لشراء القائمة، وما يرسل للشركة وما يرسل لرقم (1)، وتصله ثلاث قوائم فإن استطاع أن يبيعها استرد المبلغ الذي دفعه، واسمه يدخل في القائمة إلى أن يصل إلى رقم (1) فتأتيه الأموال من كل المشتركين، وإن لم يستطع بيعها خسر كل شيء.وهذه اللعبة القذرة استفاد من طريقتها كثير من الشركات مثل: جولد كوست، وبيزناس، وأكوام، وكوم، وقد بينت هذا في مقالات نشرت في بعض المجلات والصحف، وكتبت مقالاً جامعًا أثبته في كتابي «موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة».

حكم التعامل مع شركة شينل الصينية «الشجرة الخبيثة»

وأخيرًا ظهرت شجرة خبيثة صينية تسمى شركة شينل العالمية، مستفيدة من الشركات السابقة التي أدخلت سلعة في هذه المقامرة المحرمة:

فهي تبيع سلعة مماثلة وأعلنت هي نفسها أن التكلفة والأرباح التي تأخذها هي 45% فقط، والباقي وهو 55% للموزعين.

وشراء السلعة شرط أساسي لدخول هذه المقامرة، فالمشتري يشتري سلعة كلفت الشركة خمسة عشر جنيهًا مثلاً، وربح الشركة ثلاثون جنيهًا، فهل يشتري أي عاقل سلعة بأكثر من ضعف ثمنها؟!! إذن المشتري لا يريد السلعة وإنما يريد أن يكون ضمن الموزعين حتى يأخذ الجوائز، فإن لم يستطع أن يوزع لا يأخذ شيئًا، إذن غرم محقق حيث خسر خمسة وخمسين جنيهًا (55%) عندما اشترى السلعة.

والشركة تزداد مبيعاتها بسرعة غير عادية، ولا تدفع شيئًا من أموالها للموزعين، وإنما تعطي الجوائز والحوافز من المبلغ الذي تأخذه زيادة على التكاليف والأرباح.

تطوير لعبة النصب الهرمية:

فالشركة طورت لعبة النصب الهرمية، حيث أوجدت سلعة، واللعبة تكون في توزيع المبلغ الزائد عن التكاليف والأرباح في صورة جوائز وحوافز؛ فالمشتركون في مجموعهم يخسرون 55% من الأموال التي يدفعونها، ومع ذلك تعلن الشركة أن شينل تجلب الصحة والثراء لكل عائلة، وهي في الواقع تجلب خسران الدنيا والآخرة، ويشعر بهذه الخسارة الدنيوية من يشترون ولا يستطيعون أن يوزعوا، أما الخسارة الأخروية، وهي الخسارة الحقيقية فهي أن يأخذ المشترك عقاب المقامر.

قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بعدم جواز لعبة التسوق الهرمي وغيرها:

وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرارًا بتحريم مثل هذه المسابقات، ومما جاء في القرار: خامسًا: دفع مبلغ على المكالمات الهاتفية للدخول في المسابقات غير جائز إذا كان ذلك المبلغ أو جزء منه يدخل في قيمة الجوائز.

وقد أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية فتوى مفصلة عن عمل شركات التسويق الهرمي أو الشبكي مثل شركة (بزناس) وغيرها.

ومما جاء في الفتوى:

إن هذا النوع من المعاملات محرم، وذلك أن مقصود المعاملة هو العمولات وليس المنتج. (قلت: وهذا ينطبق على شركة شينل الصينية).

ثم جاء في الفتوى:

«فالمنتج الذي تسوقه هذه الشركات مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ولما كانت هذه هي حقيقة هذه المعاملة فهي محرمة شرعًا لأمور:

أولا: أنها تضمنت الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة، فالمشترك يدفع مبلغًا قليلاً من المال ليحصل على مبلغ كبير منه فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنظر والإجماع، والمنتج الذي تبيعه الشركة للعميل ما هو إلا ستار للمبادلة، وهو غير مقصود للمشترك، فلا تأثير له في الحكم.

ثانيًا: أنها من الغرر المحرم شرعًا، لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أولا؟

وهكذا يتضح أن عمل شركة شينل الصينية محرم شرعًا لاشتماله على الربا والميسر، والغرر، وهو هنا يمثل 55% من الأموال المدفوعة للشراء، والهدف العمولات، أي أن هذا المبلغ هو الذي يدخل في عمليات الربا، ثم القمار كما بينت في هذه الكلمة.