روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :” إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا”.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أي أنها [أي:الحية ] كما تنتشر من جحرها في طلب ما تعيش به، فإذا راعها شيء رجعت إلى جحرها كذلك الإيمان انتشر في المدينة، وكل مؤمن له من نفسه سائق إلى المدينة لمحبته في النبي صلى الله عليه وسلم، فيشمل ذلك جميع الأزمنة لأنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للتعلم منه، وفي زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم للاقتداء بهديهم، ومن بعد ذلك لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده، والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه.

قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين من علماء المملكة العربية السعودية – رحمه الله تعالى -: هذا الحديث يقول فيه الرسول – عليه الصلاة والسلام – : ( إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها). و(يأرز) بكسر الراء ويجوز فيها الفتح والضم ، ومعنى (يأرز) : يرجع ويثبت في المدينة كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه، وهذا إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا الدين سوف يرجع إلى المدينة بعد أن تفسد البلدان الأخرى كما أن الحية تخرج وتنتشر في الأرض، ثم بعد ذلك ترجع إلى جحرها.

وفيه أيضاً إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضا، فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعاً في مكة، ومكة هي المهبط الأول للوحي لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد هاجروا إلى المدينة، فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشراً من المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان .

وقال بعض أهل العلم: إن هذا إشارة إلى أمر سبق، وأن المعنى: أن الناس يفدون إلى المدينة، ويرجعون إليها ليتلقوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريعة والتعاليم الإسلامية، ولكن المعنى الأول هو ظاهر الحديث، وهو الأصح.