التعبير عن الفرحة والسعادة حق مكفول للجميع، ولكن لا ينبغي أن يكون على حساب الآخرين، ومن ثم فاستخدام آلات التنبيه بصورة مقلقة ومزعجة وكذلك إطلاق الألعاب النارية في الأفراح من المنكرات التي يجب علينا أن نجتنبها، ويجب أن تكون أفراحنا محفوفة بأخلاق الإسلام وآدابه وتعاليمه، وفي الحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره)، (لا ضرر ولا ضرار).

يقول فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة-أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:-
إن مظاهر إزعاج الناس وإلحاق الأذى والضرر بهم كثيرة في مجتمعنا وللأسف، وإن كثيراً من الناس لا يراعون حقوق الآخرين ومشاعرهم بل يضربون بها عرض الحائط في حالات كثيرة منها:
منها استعمال أبواق السيارات بشكل مؤذٍ ومزعج، ومنها استعمال مكبرات الصوت في الأعراس والحفلات حتى ساعة متأخرة من الليل، ومنها إطلاق النار في الحفلات والأعراس، وإطلاق الألعاب النارية في الأعراس والمناسبات الأخرى .

إن هذه الأمور وأمثالها تسبب الأذى وتلحق الضرر بالناس ومعلوم عند العلماء أن إلحاق الأذى حرام شرعاً فلا يجوز للمسلم أن يؤذي غيره سواء كان الإيذاء معنوياً أو مادياً بل إن الإيذاء المعنوي قد يكون أشد من الإيذاء المادي فشتم المسلم في عرضه أشد من صفعه وهكذا.

وقد وردت نصوص كثيرة تحرم إلحاق الأذى وتحث على ترك إيذاء عباد الله، فمن ذلك أنه لا يجوز إيذاء المسلمين في طرقاتهم وشوارعهم، فمن المعلوم أن الطريق من الحقوق العامة التي ينتفع بها الناس كافة، فلا يجوز لأحد أن يؤذي غيره فيها، فاستعمال الطرق والشوارع له أحكام شرعية متعلقة به، وليس للإنسان مطلق الحرية أن يتصرف في الشوارع حسبما يريد وكيفما يريد .

جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال : فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها. قـالوا : ومـا حـق الطريق ؟ قال : غض البصر وكف الأذى وردّ السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ) رواه البخاري .

فانظر أخي المسلم إلى هذه المعاني العظيمة التي تضمنها هذا الحديث وقارنها بواقع كثير من الناس اليوم في سوء استعمالهم للطريق فستجد الشباب الذين يعاكسون الفتيات في الطرقات ، وأصحاب المحلات وغيرهم الذين يلقون القاذورات في الشوارع ، وأصحاب السيارات الذين يطلقون العنان لأبواق سياراتهم أو الذين يعتبرون الشوارع ملكاً خاصاً لهم ، والناس الذين يتعدون على الشوارع فيأخذون منها بدل أن يعطوها شيئاً من أرضهم لتوسعة الشوارع أو يتركون فيها مخلفات البناء.

إن إزالة الأذى من طرقات الناس تعتبر صدقة كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تميط الأذى عن الطريق صدقة) رواه البخاري .
وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له فغفر له ) رواه البخاري ومسلم، وإزالة الأذى من طرقات الناس إحدى مراتب الإيمان كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) رواه مسلم .

وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: (قلت يا نبي الله علمني شيئاً أنتفع به قال: اعزل الأذى عن طريق المسلمين ) رواه مسلم .
قال الإمام النووي :[ هذه الأحاديث المذكورة في الباب ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق سواء كان الأذى شجرة تؤذي أو غصن شوكة أو حجراً يعثر به أو قذراً أو جيفة أو غير ذلك ].

وما ذكره الإمام النووي من أنواع الأذى المادية التي كانت معروفة في زمانهم قد يكون يسيراً مع أنواع الأذى المعنوية الموجودة في زمانناً مثل استعمال مكبرات الصوت في المناسبات حتى ساعات متأخرة من الليل واستعمال أبواق السيارات وإطلاق الألعاب النارية وغيرها، فهذه مزعجة للنائم والمريض ولطالب العلم ومخيفة للأطفال فكل ذلك أذى يجب الامتناع عنه ديانة ومنع الناس منه قانوناً ونظاماً.

وأنواع الأذى هذه يشملها عموم الأحاديث السابقة فإن كلمة الأذى الواردة فيها تعمها جميعاً . وكذلك ما ورد في أحاديث أخرى من تحريم للأذى بشكل عام كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ) رواه البخاري . فهذا النهي الوارد في الحديث يعم كل أذى فلا يجوز إلحاق الأذى بالجار سواء أكان الأذى مادياً أو معنوياً .