ورد في الحديث : ( إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها ).
إن (منْ) في هذا الحديث قد تعبر عن الجمع كما تعبر عن المفرد، فقد يكون هذا المجدد فردا وقد تكون مجموعة من الناس، وعلى المسلم ألا ينتظر حتى يظهر هذا المجدد بل عليه أن يسعى هو بمفرده ومن خلال تعاونه مع مجتمعه أن يكونوا هم المجددون لأمر هذا الدين.

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
هذا الحديث الذي رواه أبو داود في سننه، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في معرفة السنن والآثار، والطبراني في الأوسط: يمد الأمة بشعاع قوي من الأمل، يطرد عنها ظلام اليأس، ويبعث فيها الروح والأمل في أن الله لا يدعها طويلاً لأنياب الضعف حتى تفترسها، ولا لدخان الهمود حتى يخنقها، ولا لمخالب التمزق حتى تقتلها، بل يهيئ لها بين قرن وآخر، من يجمعها من شتات، ويحييها من موات، ويوقظها من سبات، وهذا بعض معاني التجديد، فهو يجددها بالدين ويجدد بها الدين.

وقد فهم معظم شرّاح الحديث أن المراد بـ( مَنْ ) يجدد الدين فيه: فرد واحد، يهبه الله من الفضائل العلمية والخلقية والعملية ما يجدد به شباب الدين، ويعيد إليه الحيوية والقوة، عن طريق علم نافع، أو عمل صالح، أو جهاد كبير، وهذا ما جعلهم يحاولون تحديد هذا ( المجدد ) على رأس كل قرن، فاتفقوا حيناً، واختلفوا حيناً آخر؛ فقد اتفقوا على أن مجدد المائة الأولى: خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز . . ومجدد المائة الثانية: الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ومجدد المائة الخامسة: أبو حامد الغزالي ، ومجدد المائة السابعة: ابن دقيق العيد، واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافاً شاسعاً.

وأرى أن ( مَنْ ) في الحديث، وفى لغة العرب عامة تدل على الجمع، كما تدل على المفرد، وهي هنا تدل على الجمع كذلك، فمن يجدد الدين في كل قرن ليس بالضرورة فرداً معيناً، بل جماعة من الناس، قد يكون منهم العلماء، ومنهم الولاة، ومنهم القواد، ومنهم المربون . . وقد يكونون في بلد واحد، وقد يكونون في عدد من البلاد، وقد يعمل كل منهم وحده في مجاله، وقد يتعاونون فيما بينهم فيما يشبه الرابطة أو الجمعية، وقد يكون تجديد بعضهم في مجال الدعوة والثقافة، وآخر أو آخرين في مجال الفقه، وجماعة في مجال التربية والتكوين، وغيرهم في مجال الإصلاح الاجتماعي، وفئة أخرى في المجال الاقتصادي. ولا مانع من تعدد هذه المجالات واختلاف ألوان العمل والتجديد، على أن يكون اختلاف تنوع وتخصص، لا اختلاف تضاد وتناقض، أعني: أن يكون هناك تكامل وتناسق وتعاون بين هذه الأنواع المختلفة من العمل، بحيث يكمل بعضها بعضاً، ويشد بعضا أزر بعض لا أن ينكر بعضها على الآخر، أو يعوق بعضها بعضاً فيؤدي ذلك إلى ضعفها جميعاً وقوة أعدائها.

إن ربط التجديد بفرد واحد فذّ، يجعل الناس يعيشون على أمل ظهوره، وكل ما عليهم انتظاره حتى تنشق الأرض عنه ليجدد ما عجزوا عنه، هذا سر تعلق الجماهير بفكرة ” المهدي المنتظر ” والذي أراه أن يُربط التجديد بمدرسة، يقوم كل مسلم غيور فيها بنصيبه في موكب التجديد، ويسهم على قدر طاقته في مسيرته، ولا يصبح السؤال إذن متى يظهر المجدد للدين؟ بل يكون: ماذا أعمل لتجديد الدين؟