معنى “السميع” في اللغة:
السَّمع للإنْسَان وغيره: حِسُّ الأذن، أو ما وَقَر في الأُذُن مِنْ شيءٍ تَسْمعه، ورجلٌ سَميع: أي سامع.
والسَّميع على وزن فَعِيل؛ مِنْ أبْنية المبالغة.
قال الزجاج: ويَجِيء في كلامهم: سَمِعَ بمعنى: أجَاب.
إسم الله “السميع” في القرآن الكريم:
ورد الاسمُ في الكتاب العزيز خَمْساً وأربعين مرة، منها: قوله تعالى: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:127).
وقوله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (المائدة: 76).
وقوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (لقمان:28).
وقوله تعالى: (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) (سبأ: 50).
وقوله تعالى: (وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة: 1).
معنى “السميع” في حق الله تبارك وتعالى:
قال ابن جرير رحمه الله: وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى: 11) يقول جلَّ ثناؤه واصفاً نفسَه بما هُو به، وهو يعني نفسَه: السَّميعُ لما تَنْطقُ به خَلْقه مِنْ قولٍ.
وقال ابن كثير رحمه الله: السَّميع لأقوال عباده.
وقال الخطابي رحمه الله:”السَّميع” بمعنى السَّامع، إلا أنه أبْلغ في الصَّفة، وبناؤه: فعيل؛ بناء المبالغة؛كقولهم: عليمٌ مِنْ عالم، وقديرٌ مِنْ قادر. وهو الذي يسمعُ السِّرَّ والنَّجْوى، سواءً عنده الجهرُ والخُفُوت، والنُّطقُ والسُّكوت.
وقد يكون السماع بمعنى: القبول والإجابة؛كقول النَّبي ﷺ:” اللهمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنْ قَوْلٍ لا يُسْمع”. أي: مِنْ دُعاءٍ لا يُسْتجاب، ومن هذا قولُ المُصلِّي:”سَمِعَ اللهُ لمَنْ حَمِدَه”. معناه: قَبِلَ اللهُ حَمْد مَنْ حَمده.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فعْلُ”السَّمع” يُراد به أربعة معَان:
أحدها: سمعُ إدْراك، ومُتَعلّقه الأصْوات.
الثاني: سمعُ فَهْمٍ وعَقْل، ومُتَعلقه المعاني.
الثالث: سمعُ إجابةٍ وإعْطَاء ما سُئِل.
الرابع: سَمْع قَبُولٍ وانْقياد.
فمن الأول: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) (المجادلة:1) (قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ) (آل عمران: 181).
ومن الثاني: قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْ) (البقرة: 104)، ليس المراد سمع مجرد الكلام، بل سمع الفَهْم والعقل؛ ومنه: (سمعنا وأطعنا) (البقرة: 285).
ومن الثالث:”سمعَ اللهُ لمَنْ حَمِدَه” وفي الدُّعاء المأثور:” اللهمّ اسْمَع” أي: أجبْ وأعطِ ما سألتك.
ومِنَ الرابع: قوله تعالى: (سَمَّاعُونَ للكَذِب) (المائدة: 41) أي: قَابِلُون له؛ ومُنْقادون غير مُنْكرين، ومنه على أصح القولين: (وفَيِكُم سَمَّاعُون لهم) (التوبة: 47) أي: قابلون ومنقادون” اهـ. فمن معاني” السَّميع”: المُسْتجيب لعباده؛ إذا تَوجَّهُوا إليه بالدُّعاء؛ وتَضرَعُوا له.
من آثار الإيمان باسم الله “السميع”:
1- إثباتُ صفة” السّمع” له سبحانه وتعالى؛ كما وَصَفَ الله عزَّ وجل نفسه بذلك. قال الأزهري رحمه الله: والعَجَب مِنْ قومٍ فسّروا”السَّميع” بمعنى المُسْمِع؟! فراراً مِنْ وَصْف الله بأنَّ له سَمعاً؟! وقد ذكرَ الله الفعلَ في غير موضعٍ من كتابه، فهو سَميعٌ ذُو سَمْع، بلا تكييفٍ ولا تشبيهٍ بالسَّمع مِنْ خَلْقه، ولا بصره كبصرِ خَلْقه، ونحن نصفُ الله بما وَصَف به نفْسه، بلا تحديدٍ ولا تكييف. وقد بوّب البُخاري في صحيحه في كتاب التوحيـد: باب (وكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً). قال ابنُ بطَّال: “غَرَضُ البخاري في هذا الباب: الردّ على مَنْ قال: إنَّ معنى”سميعٌ بَصير” عليم، قال: ويَلْزم مَنْ قال ذلك؛ أنْ يُسويه بالأعْمى؟ الذي يَعْلم أنّ السّماءَ خَضْراء؛ ولا يَراها، والأصمّ الذي يَعْلم أنَّ في الناس أصْواتاً؛ ولا يَسْمعها. ولا شك أنّ مَنْ سَمع وأبْصر؛ أَدْخَلُ في صِفَة الكَمَال مِمَن انفردَ بأحدهما دون الآخر، فصحَّ أنّ كونه سَميعاً بصيراً؛ يفيدُ قَدراً زائداً على كونه عليماً، وكونه سَميعاً بصيراً؛ يتضمَّن أنه يَسْمعُ بسمعٍ؛ ويُبْصر ببصرٍ، كما تضمّنَ كونُه عليماً أنَّه يَعْلم بعِلمٍ، ولا فرقَ بين إثباتِ كونه سميعاً بصيراً؛ وبين كونه ذَا سَمعٍ وبَصرٍ. قال: وهذا قول أهل السُّنة قاطبة” اهـ.
2- إنَّ سَمْعَ الله تبارك وتعالى؛ ليس كسَمْعِ أحدٍ مِنْ خَلْقه، فإنَّ الخَلْق وإنْ وُصفوا بالسمع والبصر، كما في قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الإنسان: 2)، لكنْ هيهات أنْ يكونَ سَمْعُهم وبَصرُهم؛ كسَمعِ وبصرِ خالقهم جلَّ شأنه، وقد نَفَى الربُّ سبحانه المشابهة عن نفسه بقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى: 11)، لأنّ سمعَ اللهِ وبَصَره مُسْتغرقٌ لجميع المَسْموعات والمرئيات، لا يَعْزب عن سمعهِ مسموعٌ؛ وإنْ دَقّ وخَفِي، سِراً كان أو جَهْراً. عن عائشة رضي الله عنها قالت: الحَمدُ لله الذي وَسِعَ سمْعُه الأصْوات؛ لقد جَاءت المُجَادِلة إلى النَّبي ﷺ تُكلِّمه، وأنا في ناحيةِ البيْتِ ما أَسْمعُ ما تَقُول، فأنزلَ اللهُ عزَّ وجل: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة: 1). وفي رواية:” تَبَاركَ الذِي وَسِعَ سمْعُه كلَّ شيء”.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنَّا مع النَّبي ﷺ في سَفَرٍ؛ فكنَّا إذا عَلَوْنا كبّرنا، فقال:” ارْبَعُوا على أنْفسِكم؛ فإنّكم لا تَدْعونَ أصمَّ ولا غَائباً، تدْعونَ سَميعاً بصيراً قريباً…”. قال ابنُ بطّال: في هذا الحديث: نفيُ الآفَةِ المَانعة مِنَ السَّمع، والآفة المَانعة مِنَ النَّظر، وإثباتُ كونِه سَمِيعاً بَصيراً قريباً، يَسْتلزمُ أنْ لا تصحَّ أضداد هذه الصِّفات عليه.
* وفي بيان الفَرْق بينَ سَمْع الخالق والمخلوق: يقول أبوالقاسم الأصْفهاني: خُلقَ الإنسان صغيراً لا يَسْمع، فإنْ سَمِع لا يَعْقل ما يَسْمع، فإذا عقل ميَّز بينَ المسْموعاتِ؛ فأجابَ عن الألفاظ بما يَسْتحق، وميّز الكلام المُسْتَحسن مِنَ المُستقبح، ثم كان لسمْعهِ مَدىً؛ إذا جَاوزه لم يَسْمع، ثم إنْ كلّمه جماعةٌ في وقتٍ واحدٍ؛ عَجَزَ عن اسْتماع كلامهم، وعنْ إدراك جوابهم.
والله عزّ وجلّ السَّميع لدُعاءِ الخَلْق وألفاظهم، عند تفرقهم واجتماعهم، مع اختلافِ ألسنتهم ولُغاتهم، يعْلم ما في قلبِ القائل قبلَ أنْ يقولَ، ويَعجزُ القائل عن التَّعبير عنْ مُراده؛ فيَعْلم الله فيُعْطيه الذي في قَلْبه، والمَخْلوق يزول عنه السَّمع بالمَوْت، والله تعالى لم يَزَلْ ولا يَزال، يُفني الخلق ويَرِثهم، فإذا لم يبق أحدٌ؛ قال: (لٌمّنٌ المٍلًكٍ اليّوًمّ) (غافر: 16) فلا يكون مَنْ يرد؟! فيقول: (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (غافر: 16). واشتراك المَخْلوق مع الخَالق سُبحانه في هذا الاسْم؛ لا يَعني المماثلة، فإنَّ صفات المَخلوق تُنَاسب ضَعْفه وعَجْزه وخَلْقه، وصفاتِ الخَالق تليقُ بكماله وجلاله سُبحانه وتعالى.
3- وقد أنْكرَ اللهُ تبارك وتعالى على المُشْركين، الذين ظنُّوا أنّ اللهَ لا يَسْمعُ السرّ والنّجوى؛ فعنْ عبدِ الله مَسْعود رضي الله عنه قال: قال ﷺ قال: اجتمعَ عندَ البيتِ قُرَشيان وثَقَفي – أو ثَقَفِيان وقُرشيٌ – كثيرةٌ شَحْمُ بُطُونهم، قليلةٌ فِقْه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أنَّ الله يَسْمعُ ما نَقُولُ؟ قال الآخرُ: يَسمعُ إنْ جَهَرْنا؛ ولا يَسمعُ إنْ أخْفَيْنا! وقال الآخرُ: إنْ كان يَسْمعُ إذا جَهَرنا؛ فإنه يَسْمعُ إذا أخْفَينا. فأنزلَ الله عز وجل: (وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ) (فصلت: 22). وكذا قوله تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف: 80).
4- ورد الاسمُ مَقْروناً بغيره مِنَ الأسْماء؛ كقوله تعالى: (سميعٌ عليم) و(سميعٌ بصير) و(سميعٌ قريب) وهي تدلُّ على الإحاطة بالمَخْلوقات كلها، وأنَّ الله مُحيطٌ بها، لا يَفُوتُه شيءٌ منها؛ ولا يَخْفى عليه، بل الجَميع تحتَ سمعهِ وبصره وعِلْمه. وفي ذلك تنبيهٌ للعاقل وتذكيرٌ، كي يُراقب نفسَه؛ وما يَصْدر عنها من أقوالٍ وأفعالٍ، لأنَّ خَالقه وربَّه لا يَخْفى عليه شيءٌ منها، وأنه سبحانه مُحْصيها عليه، ثم يُجازي بها في الآخرة، إنْ خَيراً فخَير، وإنْ شراً فشر. ومتى آمن الناس بذلك وتذكّروه، فإن أحوالهم تتغير من القبيح إلى الحسن، ومن الشر إلى الخير. وإذا نَسُوا ذلك وتَنَاسُوه؛ وغَفلوا عنه، ففي ذلك ما يَكْفي لفسادِ الدُّنيا وخَرَابها، والنَّاظر في أحْوالِ الناس؛ يَرَى ذلك واضِحاً جلياً.
5- الله هو” السَّميع” الذي يَسْمع المُناجاة؛ ويجيبُ الدُّعاء عندَ الاضْطرار؛ ويَكشف السُّوء، ويَقْبَل الطاعة. وقد دعا الأنبياءُ والصالحون ربّهم سبحانه بهذا الاسْم، ليَقبلْ منهم طاعتهم، أو ليَستجيبَ لدُعائهم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة: 186). فإبراهيمُ وإسْماعيلُ عليهما الصَّلاة والسلام؛ قالا: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة: 127) وهما يرفعان قواعد البيت الحرام. وامرأةُ عِمْران عندما نذرتْ ما في بطْنها خَالصاً لله، لعبادتِه ولخِدْمة بيتِ المَقْدس؛ فقالت: (فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (آل عمران: 35). ثم أخبر تعالى أنه قَبِل منها ذلك: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً) (آل عمران: 37). ودعا زكريا ربَّه أنْ يَرءزقه ذريةً صالحة؛ ثم قال: (إنكَ سميعُ الدُعاء) (آل عمران: 38) فاستجابَ الله دعاءه. ودعا يوسف عليه السلام ربَّه؛ أنْ يَصْرفَ عنه كيدَ النِّسوة: (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (يوسف: 34). وأمر بالالْتِجاء إليه عند حُصُول وَسَاوس شياطين الإنْس والجن؛ فقال تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الأعراف: 200).
قال ابن كثير رحمه الله: سميعٌ لجَهْل الجَاهل عليك، والاسْتعاذة به مِنْ نَزْغة، ولغير ذلك من كلامِ خَلْقِه، لا يَخْفى عليه منه شيءٌ، عليمٌ بما يُذْهِب عنك نَزْغَ الشيطان؛ وغير ذلك مِنْ أُمُور خَلْقه.
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.