معنى الخبير في اللغة:
الخِبْر والخُبْرُ؛ والخِبْرَةُ والخُبْرَةُ؛ والمَخْبَرةُ والمخْبُرَةُ؛ كله: العلم بالشيء، يقال: مِنْ أين خَبَرتَ هذا الأمر، أي: مِن أين علمت؟ والخابرُ: المختبرُ والمجرِّبُ، ورجلٌ خابر وخبيرٌ: علم بالخَبر.
وخبرتُ الأمر إذا عرفتُهُ على حقيقته.
والخبير: العالم بالشيء. وقال الكِسَائي: الخَبير: الذي يُخْبر الشيء بعلمه.
إسم الله “الخبير” في القرآن الكريم:
ورد اسم”الخَبير” في القرآن خمساً وأربعين مرة؛ منها:
قوله تعالى: (ولِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (آل عمران: 180).
وقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام: 73).
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) (فاطر: 31).
وقوله: (مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) (التحريم: 3).
وقوله: (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) (العاديات: 11).
معنى “الخبير” في حق الله تبارك وتعالى:
قال ابن جرير: في قوله: (نَبَّأني العَلِيمُ الخَبير): العليم بسرائر عباده؛ وضَمائر قلوبهم، الخبير بأمورهم؛ الذي لا يَخفى عنه شيء. وقال: خبيرٌ بكلِّ ما يَعْملونه ويكسبونه؛ مِنْ حَسنٍ وسيء، حافظُ ذلك عليهم؛ ليُجازيهم على كل ذلك.
قال الخطابي:” هو العَالم بكُنْه الشيء، المُطّلعُ على حقيقته، كقوله تعالى: (الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً) (الفرقان: 59). يقال: فلانٌ بهذا الأمر خبيرٌ، وله به خَبْرٌ، وهو أخبرُ به مِنْ فُلان، أي: أعْلم. إلا أنَّ الخُبْرَ في صفة المخلوقين؛ إنّما يستعملُ في نوعِ العلم الذي يَدخلهُ الاختبارُ، ويتوصلُ إليه بالامتحان، والاجتهاد، دون النوع المعلوم ببدائه العقول. وعِلْم الله سبحانه، سَواءٌ فيما غمضَ مِنَ الأشْياء وفيما لَطفَ، وفيما تجلّى به منه وظهر، وإنّما تخلّفت مدارك عُلُوم الآدميين الذين يَتَوصلون إليها بمقدِّمات من حسٍّ، وبمعاناةٍ من نظرٍ وفكرٍ، ولذلك قيل لهم: ليس الخَبَرُ كالمعاينة، وتعالى الله عن هذه الصفات علواً كبيراً” اهـ .
قال الغزالي:”الخبير”: هو الذي لا تعزبُ عنه الأخبار الباطنة، ولا يجري في الملك والملكوت شيءٌ؛ ولا يتحرّك ذرة ولا يسكن، ولا يضطرب نَفَسٌ ولا يطمئن، إلا ويكون عنده خبرهُ. وهو بمعنى العليم، لكن العلم إذا أُضيف إلى الخفايا الباطنة؛ سُمي خِبْرةً، وسُمّي صاحبها: خبيراً” اهـ.
وقال السعدي:”العليم الخبير” وهو الذي أحاطَ علْمه بالظّواهر والبواطن، والإسْرار والإعْلان، وبالواجبات والمُسْتحيلات والمُمكنات؛ وبالعالم العُلوي والسُّفلي، وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيءٌ مِنْ الأشياء” اهـ
من آثار الإيمان باسم الله “الخبير”:
1- إنَّ الله هو الخَبِير، العالم ببواطن الأمور وخفياتها، عالمٌ بما كان وما يكون، لا يفوته من العلم شيء؛ وإنْ كان صَغيراً دقيقاً، وهذا لله وحْده؛ لا يُشاركه فيه أحدٌ مِن خَلْقه.
2- والله عزّ وجل أخبرُ بنفسه، إذْ لا أَحدَ أعلم بالله تعالى مِنَ الله، قال سبحانه: (الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً) (الفرقان: 59) أي: اسْأل عنه خبيراً؛ و”الباء” هنا مكان”عن”؛ وهو الله عزّ وجل. وقيل: هو محمد ﷺ . فيكون المعنى: فاسْأل عنه خبيراً، أي: عَالماً به، أي: بصفاته وأسْمائه. وقيل: هو جبريلُ عليه السلام.
3- إنَّ الله تعالى خبيرٌ عليمٌ بأعْمال عباده وأقوالهم، وما يجول في صدورهم من خير أو شر؛ قال سبحانه: (وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً) (الإسراء: 17). وقال: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك: 14). ولذلك أَمَرنا سُبحانه وتعالى أنْ نتَّقيه؛ ونَعْمل بما يحبُّ، وأنْ نبتعد عنْ كلّ ما يُسْخطه ويغضبه. قال تعالى مُحَرّضاً على التقوى والإحسان: (وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) (النساء: 128). وقال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر: 18). وحضَّ على طاعته وطاعة رسوله ﷺ؛ فقال: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المجادلة: 13). وأمرَ بالإيمان به وبرسوله وبكتابه؛ فقال: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (التغابن: 8). وفي قوله تعالى: (وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء: 135)، تحذير من معصيته، وهي عدم إقامة الشَّهادة بالحقّ، وعبّر عنه بقوله: (وَإِن تَلْوُواْ) أو كتمان الشهادة مع الحَاجة إليها، وعبّر عنه بقوله: (أَوْ تُعْرِضُواْ)، ثم جاء التحذير؛ وهو قوله: (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي: فإنَّ الله خبيرٌ بما تعملون، مِنْ عدمِ إقامتكم الشَّهادة؛ وتَحريفكم لها، وإعْراضكم عنها بكتمانها، ويَحْفظ ذلك منكم عليكم؛ حتى يُجازيكم به يوم الجزاء، فاتقوا ربّكم في ذلك.
• إنّ الله سُبحانه خبيرٌ، قد أحاطَ بكل شيء خُبْراً، يُخْبرُ بعواقبِ الأمور ومآلها؛ وما تصيرُ إليه، يعلم ما كان وما يكون؛ وما سيكون. فقد أخبر عنْ خَلقه للسَّماوات والأرض في سِتة أيام، واسْتوائه على عرشه فقال: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً) (الفرقان: 59). وأخبر عن نفْسه سبحانه؛ أنه يعْلم مفاتحَ الغيب الخمسة؛ التي لا يعلمها إلا هو، فقال: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان: 34). وهذه الخَمْسة كلها غيبيةٌ مستقبلية. وأخبرَ عما سيقعُ في يوم القيامة؛ مِنَ الأهْوال الكونية؛ واضْطراب الأحْوال؛ من انْشقاق السّماء وانْفطارها، وارتجاف الأرض وزلزالها، ونَسْف الجبال وسَيرها، وتسجير البِحار وانْفجارها، وغير ذلك من الأهْوال المنتظرة التي لم تقع. وأخبر عن حالِ أهلِ الإيمان، وما هم فيه مِنَ الاطْمئنان والأمان من تلك الأهْوال، ثم عن دخولهم الجِنان بسلام. وأخبر عن حال أهلِ الكُفْران، وما هم فيه عند قيامهم مِنْ تَخبّط الشِّيطان، لاتخاذهم إياه ولياً – في الدُّنيا – مِنْ دُون الرحمن، واتباعهم لخُطُواته؛ وتركهم لكلام الكريم المنان. والله خبيرٌ بالطائفتين؛ في ذلك اليوم المَشْهود، قال تعالى: (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ) (العاديات: 9 – 11). ولا يُخبر بهذه الأمور كلّها؛ إلا الله وحده العليم الخبير. كما قال سبحانه: (وّلا يٍنّبٌئٍكّ مٌثًلٍ خّبٌيرُ) (فاطر: 14) أي: لا ينبئك أحدٌ مِثلي؛ لأني عالمٌ بالأشياء.
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.