معنى “البديع” في اللغة:
البديع: المُبْتدع. أبدعتُ الشيءَ: اخْتَرعته؛ لا على مِثالٍ.
وبدعَ الشيءَ يبدعُه بَدْعاً وابْتدعه: أنْشأه وبدأه.
وشيءٌ بدعٌ؛ بالكسر، أي: مُبتدعٌ.
وقال الزجاج: يقال: أبْدعتُ الشيء إبْدَاعاً، إذا جئتَ به فَرداً لم يُشاركك فيه غيرك، وهذا بَديعٌ من فعل فُلانٍ، أي: مما يتفرّدُ به.
اسم الله “البديع” في القرآن الكريم:
جاء في آيتين منَ الكتاب العزيز:
في قول الله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (البقرة: 117).
وقوله: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنعام:101).
معنى “البديع” في حق الله تبارك وتعالى:
قال أبو عبيدة: (بديعُ): مبتدع، وهو البادئ الذي بدأها.
وقال ابن جرير: يعني جلَّ ثناؤه بقوله: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ): مبدعها.
ومعنى المُبدع المُنشئ والمُحدث ما لم يَسبقه إلى إنشاء مثله؛ وإحداثه أحد، ولذلك سُمِّي المبتدع في الدين مُبتدعاً، لإحْداثه فيه ما لم يسبقه إليه غيره.
فمعنى الكلام: سبحان الله أنَّى يكون له ولد وهو مالك ما في السموات والأرض، تشهد له جميعاً بدلالتها عليه بالوحدانية، وتُقرُّ له بالطاعة، وهو بارئها وخالقها ومُوجدها؛ من غير أصلٍ ولا مثال احْتذاها عليه. وهذا إعْلامٌ من الله جلَّ ثناؤه عبادَه أنْ يَشهد له بذلك”المسيح” الذي أضافوا إلى الله جلَّ ثناؤه بنوَّته، وإخْبار منه لهم أنَّ الذي ابتدع السموات والأرض مِنْ غير أصلٍ، وعلى غير مثال، هو الذي ابتدع المسيح من غير والد بقدرته”.
وقال الزجاج: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أراد به: أنَّه المُنفرد بخلق السموات والأرض.
وقال الحليمي: (البديع): ومعناه المبتدع، وهو يُحْدث ما لم يكن مثله قط، قال الله عز وجل: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي: مُبدعهما، والمُبدع: مَنْ له إبْداع، فلما ثبتَ وجود الإبداع من الله تعالى؛ لعامَّة الجواهر والأعراض، استحق أنْ يُسمّى بديعاً ومبدعاً.
وقال ابن منظور: (البديع) مِنْ أسْماء الله تعالى، لإبْداعه الأشْياء وإحْداثه إياها، وهو”البديع الأول” قبلَ كلِّ شيء، ويجوز أنْ يكون بمعنى: مُبْدع، أو يكونَ مِنْ: بدعَ الخَلْق؛ أي بَدَأه، والله تعالى كما قال سبحانه: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي: خالقُها ومُبْدعها، فهو سبحانه الخَالق المُخْترع؛ لا عن مثالٍ سابق.
فيتحصَّل من هذه الأقوال؛ أنّ معناه:
1- أنه الذي لا مِثْلَ له ولا شبيه، يقال: هذا شيءٌ بديع، إذا كان عديمَ المِثْل، فيكون على هذا من صفات الذات.
2- أنه بمعنى المُبْدع، الذي فَطرَ الخَلْق ابتداءً؛ لا على مِثَالٍ سبق، فيكون مِنَ صفات الفعل.
من آثار الإيمان باسم الله “البديع”:
- أنَّ الله عزّ وجل هو: (البَديع) الذي لا عهْدَ بمثله، فإنْ لم يكنْ بمثله عَهْدٌ؛ لا في ذَاته؛ ولا في صفاته؛ ولا في أفْعاله، ولا في كلِّ أمرٍ راجع إليه؛ فهو البَديع المـُطلق، أزلاً وأبداً.
- أنه سُبحانه الذي أوْجدَ الأشياء بصُورةٍ مُخترعة، على غير مثالٍ سَبق، فهو سُبحانه المُبْدع للسموات والأرض؛ والمُخْترع لهما، والـمُوجِد لجميعِ ما فيهما.
وإذا كان كذلك، فكيف يصحُّ أنْ يُنسب إليه شيء منهما؛ على أنه ولدٌ له!! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل كلُّ مَنْ فيهما؛ فمِنْ إيجاده وخَلْقه وإبْداعه، وهو خاضعٌ له وعابدٌ، قال سبحانه: (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (البقرة: 116 – 117).
وقال سبحانه: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) (مريم: 93 – 95).
وإذا ثبتَ أنَّ كلَّ ما في السموات والأرض؛ مِنْ إيجاده وإبْداعه، ثبتَ أنه داخلٌ في عبادِه ومُلكه، فيستحيل أنْ يكونَ ولداً له.
وأمر آخر:” أنّ هذا الذي أُضِيف إليه؛ بأنَّه ولده؟! إما أنْ يكونَ قديماً أزلياً؛ أو مُحدَثاً، فإنْ كان أزلياً لم يكنْ حُكمنا بجعلِ أحدهما ولداً؛ والآخر والداً؛ أولى مِنَ العكس، فيكون ذلك الحُكم حُكماً مجرداً منْ غير دليل، وإنْ كان الولدُ حادثاً؛ كان مخلوقاً لذلك القديم؛ وعبداً له؛ فلا يكون ولداً.
الثالث: أنّ الولد لا بدَّ وأنْ يكون مِنْ جنس الوالد، فلو فرضنا له ولداً، لكان مُشاركاً له من بعض الوجوه، وممتازاً عنه من وجهٍ آخر.
الرابع: أنّ الولد إنما يتّخذ للحاجة إليه في الكِبَر، ورجاء الانتفاع بمعونته؛ حالَ عجز الأب عن أمور نفسه، فعلى هذا؛ فإنَّ اتخاذه إنّما يصحّ؛ على مَنْ يصحّ عليه الفقرُ والعجزُ والحاجة.
فإنْ كان كلُّ ذلك مُحالاً، كان اتخاذ الولد عليه سبحانه وتعالى مُحالاً”.
وقوله: (وإذا قَضَى أمْراً) فمعناه: أنه إذا أراد إيجاد أمرٍ وإحْداثه، فإنَّما يأمره أنْ يكونَ موجوداً؛ فيكون موجوداً. - الفرق بين الإبداع والخلق:
قالوا: إنَّ الإبْداع هو إيجادُ الشَّيء بصورةٍ مخترعة، على غيرِ مثالٍ سبق.
وأما الخَلْق فمعناه: التقدير، وهو يقتضي شيئاً موجوداً؛ يقع فيه التقدير. - وقد ورد في السُّنَّة ما يدلُّ على فَضْل الدُّعاء بهذا الاسم، فعن أنس رضي الله عنه أنه قال: كنت جالساً مع النبي ﷺ في المسجد؛ ورجل يُصلي؛ فقال: اللهمَّ أسْألك بأنّ لك الحَمدُ؛ لا إله إلا أنتَ؛ الحنَّانُ المنَّانُ؛ بديعُ السَّموات والأرض، يا ذا الجَلال والإكْرام، يا حيّ يا قيوم، فقال النبي ﷺ:” دعَا الله باسْمهِ الأعْظم؛الذي إذا دُعي به أجابَ، وإذا سُئل به أعْطَى”.
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجد