التعامل مع غير المسلمين جائز من حيث الأصل ما داموا غير محاربين، أو بغاة معتدين، فإن حاربوا أي جزء من أجزاء الأمة الإسلامية أو اعتدوا عليه ظلما وبغيا وجبت مقاطعتهم، وهذا أضعف ما يمكن أن يقدمه المسلم لإخوانه.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
هذا السؤال يسأل عن التعامل مع طائفتين من أهل الكتاب: اليهود والنصارى .
أما عن الطرف الأول: اليهود ؛ فلا يجوز التعامل معهم بأي حال من الأحوال، لأنهم محاربون للإسلام وأهله، احتلوا أرضنا، وداسوا مقدساتنا، واعتدوا على حرماتنا، ولا زالوا يمارسون اعتداءهم ليل نهار، وفي شأنهم قال تعالى:{ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } الممتحنة:9. ويقول :” قاتلوا الكفار بأيديكم وأموالكم وألسنتكم” ونحن لا نملك الجهاد بالسلاح، فلم يبق معنا أي سلاح إلا المقاطعة، فوجب على المسلمين مقاطعة اليهود اقتصاديًا وثقافيًا وغيرها من أنواع المقاطعة، وكذلك المحاربين من أهل الكتاب.

أما الطرف الثاني وهم النصارى: فإن كانوا محاربين فهؤلاء يقاطعون، وأما من كانوا مسالمين غير محاربين، فلا شيء في الاستيراد منهم والتصدير لهم، بشرط أن تكون التجارة فيما أحل الله لا فيما حرم، وذلك مصداقًا لقوله تعالى:{ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } الممتحنة:8. والنبي كان يتعامل مع الكفار بالبيع والشراء ما داموا غير محاربين له ولدينه.

هل المقاطعة واجبة على المسلمين:

يقول فضيلة الشيخ فؤاد مخيمر من علماء الأزهر، رئيس الجمعية الشرعية بمصر ـ رحمه الله ـ

إن الأيدي المتوضئة والعقول التي تفكر في الصناعة لا شك أنها أيدٍ مباركة، وإن حدث قصور بيننا نحن المسلمين، فليس معنى ذلك أننا متأخرون، ولكن يجب على كل مسلم أن يجود صناعته وأن يتقن عمله، من أجل ترويج الاقتصاد وازدهاره.

وعندما تحتال بعض الدول الصناعية على بلادنا بأن تبعث إلينا قطع التصنيع والخامات اللازمة لتصنيع السيارات أو ما يتصل بالكهربائيات وما تحتاجه البلاد والعباد من أدوات صناعية وعسكرية وغيرها، ثم يدخلون علينا التغرير بأن تعمل الأيدي الوطنية في هذا التصنيع، فهذه خطة مرسومة؛ ذلك لأن العمالة عندنا في بلادنا لا تكلفهم شيئًا بخلاف ما هم عليه في مصانعهم في بلادهم، ثم يغرقون الأسواق بهذه الصناعات زاعمين أنها صنعت في أي بلد إسلامي آخر، وبهذه الخطة تجمع أموال المسلمين التي تُشترى بها هذه السلع وتحول إلى هذه البلاد وهي مكتظة بالأموال؛ فيروج اقتصادهم وينهار اقتصاد الأمة الإسلامية، وتسحب الأموال من مصارفنا لتضاف إلى مصارف الغرب، وهذا أمر يعقد الحياة الاقتصادية والاجتماعية؛ ذلك لأن السيولة بالبلاد الإسلامية تنخفض ويرتفع مستواها في بلاد العالم الآخر
لذا أقول: يجب على كل مسلم ومسلمة أن يكونوا يقظين، وأن يقبلوا على المنتجات المحلية والإسلامية التي صنعت بخامات وبأيدي المسلمين؛ لتعود الأموال لخزينة المسلمين في أي بلد كان، عندئذ نجد الغرب يتأخر والمسلمين يتقدمون ويرتفع مستوى المعيشة عندهم.

ومما يجب أن نؤكد عليه أن الحرب المعاصرة حرب اقتصادية؛ لأن الاقتصاد هو عصب البلاد والعباد، فبضعفه تضعف الأمة وينتشر الفقر وتتفشى الأمراض؛ فيجب أن نحصن أنفسنا من هذا الوباء، وألا نسمع وننفذ مخططات أعدائنا؛ لأن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين.

وعندما يلتزم المسلمون بذلك فيجب أن توفر عملاً مناسبًا للأيدي العاملة التي كانت تعمل في تلك المصانع، وأن المسلم عندما ينخفض دخله يكون ذلك بمثابة جهاد منه، فالباقي يحتسبه عند الله رفعة لدينه ولوطنه .

ما فائدة المقاطعة:

يقول الأستاذ الدكتور السيد نوح من علماء الأزهر وأستاذ علوم الحديث بالكويت:
مصالح الناس تدور بين الضروريات يعني التي إذا انقطعت مات الإنسان، وبين الحاجيات التي يحتاج إليها الإنسان نوعًا ما فيكون عنده ثوبان بدلا من ثوب واحد، وسيارة تحمله بدلاً من أن يمشي على قدميه، وبين التكميليات والتحسينيات وهذه لا يترتب عليها إلا مزيد من الترف يؤدي بالمرء إلى الاسترخاء، وربما يسلك المرء بسببها والعياذ بالله في سلك المبذرين إخوان الشياطين ..

وعليه فإنه إذا كانت البضاعة من قبيل الأمور التكميلية والتحسينية فإنه من الأولى للمرء ألا يشتريها سواء كانت أجنبية أو حتى محلية، فإن ألحت عليه نفسه لضعف بشري ليشتريها، فلا يشتر ممن يؤازر عدونا .

ولذلك يحرم بشكل قطعي شراء هذه البضائع، وفي غيرها من المحلي أو السلع الأجنبية التي وإن ساندت عدونا لا تساندها بشكل مباشر علني فيها الكفاية، وبهذا يصير المسلم بعيدًا عن إعانة العدو في تقوية نفسه على المسلمين؛ لأنه لم يسانده، ولا نقول ما قيمة الامتناع عن شراء سلعة أو سلعتين من هذه البلدان: هل هذا سيؤثر في اقتصاد هؤلاء؟ نقول: إن المهم المبدأ، وهو أننا لا نتعامل مع من يعين على إيذاء المسلمين.