إن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا ، إلاّ أن يشرك به ، ويموت المشرك على ذلك دون توبة، ومن مات على كبيرة لم يتب منها ، فجمهور أهل السنة على أنه لن يخلد في النار .

يقول الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله :

المفهوم من تعاليم الإسلام أن الله يغفر للتائب المقبول عند ربه كلَّ ذنبٍ أتاه من قبل، وإذا كان الإسلام يَقبلهُ الله من الكافر، فمعنى هذا أن كُفره قد زال عنه بالإسلام، فيكون كفره مغفورًا له بالإسلام؛ لأن الإسلام يقطع ما قبله، كما جاء في الحديث الشريف؛ لأن الله تعالى يقول في سورة الأنفال: ( قُلْ للذينَ كفرُوا إنْ يَنتهُوا يُغفر لهمْ ما قد سلَفَ ).( الأنفال: 38). أي إن ينتهوا عن الكفر، ويدخلوا في الإسلام صادقين، يغفر الله لهم ما مضى قبل إسلامهم.

ولكن تبقى بعد ذلك الذنوب الكبيرة والصغيرة التي يعملها الإنسان ولا يتوب منها حتى يموت. ولا شك أن رحمة الله تعالى واسعة، وأن فضله عميم، وهو يغفر لمن يشاء كل ذنب من ذنوبه، ما عدا الإشراك به؛ لأنه يقول عز مِن قائلٍ: ( إنَّ اللهَ لا يغفرُ أنْ يُشركَ بهِ و يَغفرُ ما دُونَ ذلكَ لمَنْ يشاءُ ). ( النساء: 48 ).

وقد روي أن النبي تلا قوله تعالى:( إنَّ اللهَ يغفرُ الذُّنوبَ جميعًا ). (الزمر53 ). فقال له رجل: ( يا رسول الله و الشرك) ؟ فنزل قوله تعالى: ( إنَّ اللهَ لا يغفرُ أنْ يُشركَ بهِ، و يَغفرُ ما دُونَ ذلكَ لمَنْ يشاءُ)0 ( النساء: 116 ). قال الإمام القرطبي في تفسيره: ” هذا من المحكم المتفق عليه الذي لا اختلاف فيه بين الأمة “.

وقال الإمام القرطبي أيضًا عن الآية السابقة: ” قد أبانتْ هذه الآية أن كل صاحب كبيرة (أي ذنب كبير) في مشيئة الله تعالى: ” إنْ شاء عفَا عن ذنبه، وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن كبيرته شركًا بالله تعالى. والله تعالى يغفر الصغائر (أي الذنوب الصغيرة) باجتناب الكبائر، وإقامة الفرائض؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقول في الحديث الصحيح:

( الصلواتُ الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفِّرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) وقال بعض العلماء إن الله تعالى قد بيَّن ذلك بقوله: ( إنَّ تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه بكفر عنكم سيئاتكم) ( النساء 31 ) فهو يشاء أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر، ولا يغفر لمن أتى الكبائر.

وقال العلماء إن الكبائر عند أهل السنة يغفرها الله لمن أقلع عنها، أي تركها وتاب منها قبل الموت، وقد يغفرها الله لمن مات عليها من المسلمين؛ لأن الله بعد أن ذكر أنه لا يغفر الإشراك به قال: (ويغفرُ ما دُونَ ذلكَ لمَنْ يشاءُ ) . والمراد بذلك لمن مات على الذنوب، إذ لو كان المراد لمن تاب قبل الموت لم يكن للتفرقة بين الإشراك وغيره معنى. إذ إن التائب من الإشراك بالله مغفور له بإسلامه وإيمانه.

وذكر المفسرون أنه لا تخليد في النار إلا للكافر، وأن العاصي من المسلمين إذا مات غير تائبٍ فإن الله تعالى يعذبه في النار حينًا، ثم يخرج منها برحمة الله.

وروى الضحاك أن شيخًا من الأعراب جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فقال: يا رسول الله، إني شيخٌ مُنْهَمِكٌ في الذنوب والخطايا، إلا أني لم أشرك بالله شيئًا منذ عرفته وآمنت به، فما حالي عند الله؟ فأنزل الله تعالى قوله: (إنَّ اللهَ لا يغفرُ أنْ يُشركَ به ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لمَن يشاءُ).

ونلاحظ بعد ذلك أن بعض الكبائر أكبر من بعض، بالنسبة إلى ما يكثر ضرره، كما ذكر القرطبي في تفسيره، فالشرك أكبر ذلك كله، وهو الذي لا يغفره الله بالنص القرآني الذي يقول الله تعالى فيه: (ورحمتي وسعتْ كلَّ شيءٍ) 0(الأعراف: 156). وبعده القنوط: (ومَنْ يقنَطُ مِن رحمةِ ربهِ إلاَّ الضالُّونَ). (الحجر: 56). وبعده الأمن من مكر الله مع الاسترسال في المعاصي (فلا يأمنُ مكرَ اللهِ إلا القومُ الخاسرونَ) .(الأعراف: 99).

وبعده القتل؛ لأن فيه إذهاب النفوس وإعدام الموجود، والزنى؛ لأن فيه اختلاط الأنساب، والخمر؛ لأن فيها ذهاب العقل، وشهادة الزور؛ إلى غير ذلك مما هو واضح الضرر، ومن الكبائر أيضًا القمار، والسرقة، وسبِّ السلف الصالح، واليمين الكاذبة والسعي بالفساد في الأرض، فكل ذنب شدَّد الشرع في الوعيد عليه بالعقاب، أو أظهر بليغ ضرره، فهو كبيرة.