أما قول البزار وغيره في حديث أنه روي من غير وجه فمعناه أن له طرقا متعددة، فكل حديث له طريق أو مسار ، وهو السند الذي يصله برسول الله ﷺ ، فمعنى هذا الكلام أن هذا الحديث له أكثر من مسار.
ومعنى الغريب:
جاء في تدريب الراوي بصدد تقسمات أنواع الحديث:
النَّوع الحَادي والثَّلاثون: الغَريبُ والعَزيزُ:
إذَا انفردَ عن الزُّهْري وشبههِ مِمَّن يجمعُ حديثه رَجلٌ بحديثٍ, سُمِّي غريبًا, فإن انفردَ اثْنَان, أو ثلاثة, سُمِّي عَزيزًا, فإن رواهُ جَمَاعةٌ, سُمي مَشْهورًا, ويدخُل في الغَرِيب ما انفردَ راوٍ بِروَايته, أو بِزَيادة في مَتْنهِ, أو إسْنَاده.
[النَّوع الحَادي والثَّلاثون: الغريب والعزيز, إذا انفرد عن الزُّهْري وشبهه مِمَّن يجمع حديثه] من الأئمة, كقتادة [رجل بحديث, سُمي غريبا].
[فإن انفرد] عنهم اثنان [أو ثلاثة, سُمِّي عزيزًا].
فإن رواه عنهم [جماعة, سُمِّي مشهورًا] كذا قال ابن الصَّلاح(259) أخْذًا من كلام ابن مَنْده.
وأمَّا شيخ الإسلام وغيره, فإنَّهم خَصُّوا الثلاثة فما فوقها بالمشهور, والاثنين بالعزيز لعزَّته – أي: قوته – بمجيئه من طريق أُخرى, أو لقلة وجُوده.
قال شَيْخ الإسلام: وقد ادَّعى ابن حبَّان أنَّ رِوَاية اثنين عن اثنين, لا تُوجد أصْلاً, فإن أرادَ رِوَاية اثنين فقط فيسلم, وأمَّا صُورة العزيز الَّتي جَوَّزها فموجودة بأن لا يَرْويه أقلَّ من اثنين, عن أقل من اثنين.
مثاله ما رَوَاهُ الشَّيخان(260) من حديث أنس والبُخَاري(261), من حديث أبي هُريرة, أنَّ رَسُول الله – ﷺ – قال: «لا يُؤمنُ أحدكُم حتَّى أكُون أحب إليه من والده وولده …» الحديث.
رواه عن أنَس: قَتَادة, وعبد العزيز بن صُهيب, ورواه عن قَتَادة: شُعبة, وسعيد, ورواهُ عن عبد العزيز: إسْمَاعيل بن عُلية, وعبد الوارث, ورَوَاه عن كلٍّ جماعة.
[ويدخلُ في الغَريب ما انفردَ راوٍ بروايته] فلم يَرْوهِ غيره كمَا تقدَّم مِثاله في قسم الأفراد [أو بزيادة في متنه أو إسناده] لم يذكرها غيره.
مثالهما: حديث رواهُ الطَّبراني في «الكبير»(262) من رِوَاية عبد العزيز بن مُحمَّد الدَّرَاوَرْدي, ومن رِوَاية عبَّاد بن منصُور, فرَّقهما, كلاهما عن هِشَام بن عُروة, عن أبيه, عن عَائشة بحديث أمِّ زَرْع, ففيه غَرَابة المَتن, حيثُ جعلاه: عن هِشَام بن عُروة, عن أبيه, عن عائشة.
والمحفُوظ ما رواهُ عيسى بن يُونس, عن هِشَام, عن أخيه عبد الله بن عُروة, عن عروة, عن عائشة, هكذا أخرجه الشَّيخان(263).
وكذا رواه مُسلم(264) أيضًا من رِوَاية سعيد بن سلمة بن أبي الحُسَام عن هِشَام.
ولا يَدْخلُ فيه أفْرادُ البُلْدان, ويَنْقسمُ إلى صَحيحٍ وغَيْره, وهو الغَالبُ, وإلى غَريبٍ مَتنًا وإسْنَادًا, كمَا لو انفردَ بِمَتنهِ واحدٌ, وغَريب إسْنَادًا كحديثٍ رَوَى متنهُ جماعةٌ من الصَّحَابة, انفردَ واحدٌ بروايتهِ عن صَحَابي آخَرَ, وفيه يَقُولُ التِّرمذيُّ غريبٌ من هَذَا الوَجْه.
[ولا يدخل فيه أفراد البُلدان] الَّتي تقدَّمت في نوع الأفراد.
[يَنْقسم] أي: الغَرِيب [إلى صحيح] كأفراد الصَّحيح [و] إلى [غيره] أي: غير الصَّحيح [وهو الغَالب] على الغَرَائب.
قال أحمد بن حنبل: لا تكتبُوا هذه الأحاديث الغَرَائب, فإنَّها مَنَاكير, وعَامتها عن الضُّعفاء.
وقال مالك: شرُّ العِلْم الغَرِيب, وخير العلم الظَّاهر الَّذي قد رواه النَّاس(265).
[و] ينقسم أيضًا [إلى غريب متنًا وإسْنَادًا كما لو انفرد بمتنه] راو [واحد, و] إلى [غريب إسْنادًا] لا متنًا [كحديث] معروف [روى متنه جماعة من الصَّحابة, انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر, وفيه يقول التِّرمذي: غريب من هذا الوجه].
ومن أمثلته كما قال ابن سيد النَّاس: حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد, عن مالك, عن زيد بن أسْلم, عن عطاء بن يَسَار, عن أبي سعيد الخُدْري, عن النَّبي – ﷺ – قال: «الأعْمَالُ بالنيَّة».
قال الخليلي في «الإرشاد» : أخطأ فيه عبد المَجِيد, وهو غير محفوظ عن زيد بن أسلم بوجه, قال: فهذا مِمَّا أخطأ فيه الثقة.
قال ابن سيد النَّاس: هذا إسناد غريب كله, والمتن صحيح.
ولا يُوجدُ غريبٌ متنًا لا إسْنَادًا, إلاَّ إذا اشتهرَ الفردُ, فَرَواهُ عن المُنْفردِ كثيرونَ, صَارَ غَرِيبًا مَشْهورًا, غَريبًا مَتْنًا لا إسْنَادًا بالنِّسبةِ إلى أحَدِ طَرَفيهِ, كَحديث: «إنَّمَا الأعْمَالُ بالنيَّاتِ».
[ولا يوجد] حديث [غريب متنًا] فقط [لا إسنادًا, إلاَّ إذا اشتهرَ الفردُ, فرواه عن المُنفرد كثيرونَ, صار غريبًا مَشْهورًا غريبًا متنًا لا إسنادًا, بالنِّسبة إلى أحد طرفيه] المشتهر وهو الأخير.