يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله- :
الأظهر المنطبق على قواعد العقائد أن المراد باستيئاس الرسل يأسهم من إيمان قومهم , وفي قوله تعالى:[ كُذِبُوا ]( يوسف : 110 ) بضم الكاف قراءتان سبعيتان إحداهما بتشديد ذال ( كذبوا ) ولا إشكال فيها والثانية بالتخفيف .

وفي تطبيق القواعد عليها وجهان..

أحدهما :أن الضمير في ( ظنوا ) لأقوام الرسل , أي ظن الأقوام أنهم كذبوا فيما أوعدوا به من وقوع العذاب عليهم.

وثانيهما :أن الضمير للرسل.

وكذبوا ههنا بمعنى تمنوا أو بمعنى وجب عليهم الأمر , ومعناه كذبتهم أنفسهم فيما تمنوا وأملوا, أي خابت آمالهم في قومهم أو في كيفية انتقام الله لهم.

قال في القاموس: وكذب قد يكون بمعنى وجب, ومنه: (كذب عليكم الحج كذب عليكم العمرة، كذب عليكم الجهاد, ثلاث أسفار كذبن عليكم) أو من كذبته نفسه إذا منته الأماني, وخيلت إليه من الآمال ما لا يكاد يكون.

وقال في الأساس: وكذب نفسه وكذبته نفسه إذا حدثته بالأماني البعيدة والأمور التي لا يبلغها وسعه ومقدرته. والمعنى حتى إذا يئس الرسل من إيمان قومهم وظنوا – أي أيقنوا – أن أمانيهم في إيمانهم وآمالهم في قبولهم الدعوة ضائعة جاءهم نصرنا .

وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها قراءة التخفيف فقد روى البخاري وغيره من طريق عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن هذه الآية قال : قلت : أَكُذِبُوا ( بالتخفيف ) أم كُذِّبُوا ( بالتشديد ) ؟ فقالت : بل كُذِّبُوا – تعني بالتشديد – قلت : والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن، قالت : أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك. قلت : لعلها كُذِبُوا ( مخففة ) قالت : معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها. قلت : فما هذه الآية ؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بهم وصدقوهم, وطال عليهم البلاء , واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم, وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك .

وقرأ بعض الصحابة: ( كَذَبُوا ) بالتخفيف مبنيًّا للمعلوم, وهي قراءة مجاهد أي أيقن قومهم أنهم كذبوا . والظن يستعمل في الفصيح بمعنى اليقين وبمعنى الوهم وحديث النفس , والقرائن هي التي تعين ولذلك حمل بعضهم الظن هنا على حديث النفس , وله شواهد من اللغة .