المقصود من الآية أن الناس تلهيهم الدنيا بزخرفها وزينتها من جمع المال ، وعدم إنفاقه فيما أبيح وما يجب ، ويتشاغلون بزينة الدنيا عما أمرهم الله به ، وكأنهم سكارى لا يفيقون ويعرفون الحقيقة ، إذا نزلوا القبور ، وأصبحوا فيها زوارا ،ينتظرون الخروج للحساب يوم القيامة .
يقول الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر – رحمه الله –
(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) أي شغلكم التباهي بكثرة الأموال والأولاد، والتفاخر بالقبائل والعشائر، والاشتغال بشهوات الدنيا وملذَّاتها فنسيتم بسبب ذلك طاعة الله ـ عز وجل ـ وانصرفتم عن أوامره ودعوته، (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) : وما زلتم كذلك حتى مِتُّمْ، وصرتم من أهل القبور، وأصبحتم فيها زوَّارًا تخرجون منها يوم القيامة، وتعودون إلى ربكم ـ جل جلاله ـ كما يرجع الزائر إلى داره، فتجدون هناك المصير: إما إلى الجنة وإما إلى النار، وتُحاسبون على ما قدَّمَتْ أيدِيكم في هذه الحياة.
وقد رُوي عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: قرأ رسول الله ـ ﷺ ـ “أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ”، ثم قال: “تكاثر الأموال جمعُها من غير حقِّها، ومنعُها من حقِّها، وشدها في الأوعية” يعني كنز الأموال. والقرآن الكريم يقول: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة : 34ـ35).
ويُروى أن هذه الآية نزلت في اليهود حين قالوا: نحن أكثر من بني فلان. وبنو فلان أكثر من بني فلان، فألهاهم ذلك حتى ماتوا على ضلال، وحِرْصُ اليهود على جمع المال وكنزه معروف من قديم، ويقال إنها نزلت في حَيَّيْنِ تَفاخرا وتكاثرا، فقالوا: نحن أكثر سيدًا، وأعز عزيزًا، وأعظم نفرًا، وأكثر عائدًا، وكان أحدهما أكثر، ثم تفاخرًا وتكاثرًا بالأموات، فقالوا: نحن أكثر أمواتًا، وكان أحدهما أكثر موتى، ولذلك قال بعض الشعراء:
أرى أهل القبور إذا أُمِيتُوا بَنَوْا فوق المقابر بالصخور
أَبَوْا إلا مُباهاةً وفخرًا على الفقراء حتى في القبور
وفي صحيح مسلم عن مطرِّف عن أبيه قال: أتيت النبي ـ ﷺ ـ وهو يقرأ “أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ” فقال: “يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيتَ، أو لَبِسْتَ فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس”. وقال رسول الله ـ ﷺ: “لو أن لابن آدم وَادِيًا من ذهب لأحب أن يكون له واديانِ، ولن يملأَ فاهُ إلا الترابُ، ويتوب الله على مَنْ تَابَ.