الإسلام ما كان ليقف يوما حجر عثرة أمام رقي أو تقدم ولا يصادر إبداعا أو يقتل نبوغا، بل على العكس من ذلك فقد رفع قدر العلم وأعلى مكانة العلماء.

-فقال سبحانه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).

-وقال  (من سلك طريقا يبتغي به علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة).

-وأول ما نزل من القرآن (اقرأ باسم ربك).

-وأمر بالرجوع إلى أهل التخصص فيما نجهله فقال سبحانه (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).

الإسلام والأخلاق:

الإسلام يقف حارسا أمينا على حفظ القيم ومكارم الأخلاق ويضرب بقبضة من حديد على يد من تسول له نفسه لإشاعة الفاحشة والرذيلة فقال سبحانه في سورة النور (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة).

فالحضارة الغربية لا يصادر الإسلام منها إلا ما يصطدم مع مبادئ الفضيلة، فهو دين يدعو إلى الحرية لا إلى الإباحية ويدعو إلى المرونة لا إلى الفوضى الأخلاقية والانحلال.
أما ما عدا ذلك من تقدم علمي وتكنولوجي فالإسلام يقبله بل يأمرنا أن نجعل من ذلك طريقا لتعبيد الناس لرب العالمين (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله).

كلام الشيخ الغزالي عن الحياة والعلم والحضارة وهل تصادم الإسلام:

يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي –رحمه الله-: إن الحياة والعلم والنور والمتاع متلازمات في الحضارة الناضجة وقد أشار إليها القرآن في قوله (وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات) فاطر آية 19:22

كما أشار إليها في موضع آخر (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) الأنعام آية: 122

والحضارة الأوربية الحديثة ربما قدمت للبشرية يقظة عقلية عارمة ولكنها حياة جزئية تعرف الخلق ولا تعرف الخالق تعرف اليوم ولا تعرف الغد.
وقد شبهتها “بأبي الهول” التمثال القابع عند الأهرام في مصر له وجه إنسان وجسم حيوان كذلك هذه الحضارة لها عقل إنسان وغرائز حيوان.‍
لقد درست أسرار المادة جيدا، ولكنها وقفت عند هذا الحد فلم ترفع بصيرتها إلى بديع السموات والأرض وظنت أن (س) في التربة هو الذي ينبت الأزهار والورود وحب الحصيد، وأن (س) رمز مجهول هو الذي ينظم في الكون مسار ثلاثمائة مليون كوكب.
أليس من حق القرآن أن يقول (ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون) الروم آية6،7

إن الحياة التي يقدمها الوحي الخاتم ارتقاء كامل بمشاعر الإنسان ومواهبه، ارتقاء كامل بحضارة الأمم وأهدافها.
والوحي عندنا روح يسري في الجماعة فينير بصرها وبصيرتها ويمكنها من علوم الأرض كما يمكنها من علوم السماء وتدبر قوله تعالى في الوحي المحمدي (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) الشورى آية: 52
إن مفاتح الإيمان بالله لا يهتدي إليها إلا من عرف قوانين الأرض والسماء (حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم. إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون).

ومحمد عليه الصلاة والسلام هو الإنسان الفذ الذي يستطيع بمنهاجه أن يقود العالم ويستطيع بسيرته أن يحشد خلفه شتى الشعوب والقاسم المشترك بينه وبين الناس هو العقل الصاحي والقلب السليم واشتراك الأرض مع السماء في التسبيح بحمد الخالق والثناء عليه بما هو أهله وإعلان السمع والطاعة له جل وعز.
إن الإلحاد شيء نتن خسيس (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي له الريح في مكان سحيق) الحج آية: 31

ولا بد أن نصارح بأن الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء وقد انتمت إلى الإسلام اليوم أمم فاقدة الوعي عوجاء الخطى قد يحسبها البعض أمما حية ولكنها مغمى عليها وينتظر أن تفيق! ومهما كان التشخيص الطبي لهذه الأمم فنحن نؤكد أن الحياة الإسلامية تقوم على فكر ناضر إذ الغباء في ديننا معصية، قال تعالى: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير. فاعترفوا بذنبهم) الغباوة ذنب فردي واجتماعي..

والشعوب عندما تدير ظهرها للوحي تنحدر من الآدمية إلى الحيوانية (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) الأنفال آية: 22

وأذكر أن أحد الناس قال لي: عيبك أن تخلط الدين بالعقل!!
فقلت له: ويحك وهل الدين إلا عقل ذكي مستقيم؟! ألم تسمع قول الله لنبيه (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا..)؟ سبأ آية: 46
إن الدين الذي لا عقل معه هو الوثنية والتجسيد والتعديد.

أما المسلمون فقد ناداهم الله بقوله: (فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا. رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور..) الطلاق آية: 10،11
وقد بلغنا محمد الصادق الأمين هذه الآيات ووعى أصحابه وتابعوه كيف عاش وكيف جاهد وكيف نصح للأمة وكيف حصنها ضد الوساوس والأوهام وفي سننه المضيئة تراث نفيس وحكمة بالغة شرحت الطريق لمن أراد سلوكه، وما يستطيع ذلك من سرق وعيهم ونام عقلهم (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) ق آية: 37.