لقد جمعت هذه العشر الخير كله من جميع أطرافه؛ فصارت جماعا للخير، فما من عمل صالح إلا ويستحب فيها، وما من أيام العمل الصالح فيها خير منها.. فهي خير محض للنفس الطاهرة النقية، وهي دورة روحية إيمانية تتبوأ من العام مكان الصدارة من حيث خيرية الأيام
هل العشر من ذي الحجة فرصة لمن فاتته المغفرة في رمضان:
إلى من فاتهم أن يُغفر لهم في رمضان فظلوا تائهين، ومن الهدى محرومين.. ما زالت فرص النجاة سانحة، وأبواب المغفرة واسعة، والأمل في الفوز يتجدد، وفي الآخرة نعيم الجنة ينتظر.
إلى كل ثقيل لا يتحرك.. إلى كل بطيء لا ينشط.. إلى كل مقتصد لا يجتهد.. إلى كل من كان يريد فيعجز.. إلى كل من أضاع عمره فبنى في الدنيا وخسر الآخرة أو كاد.. ها هي الفرصة لاستدراك العمر.
ها هي نفحة أخرى من نفحات الله عز وجل التي منحها لعباده الذين لم يلحقوا بركب رمضان؛ فالقافلة ما زالت تنتظر من يسرع الخطى كي يصل إليها، ويحصل الخير الجزيل والأجر الوفير.. إنها دعوة لندرك ما فاتنا في مواسم مضت ولم نستثمرها.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ما مِنْ عَمَلٍ أزْكَى عند الله عَزَّ وجَلَّ، ولا أعْظَمَ أجْرا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ في عَشْرِ الأضْحَى» قِيلَ: وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ إلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بنفسه ومَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بشيء».
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ: «مَا مِنْ أيَّامٍ أعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أحَبُّ إلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأيَّامِ الْعَشْرِ، فَأكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيد».
ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: “كان يُقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم”.
وكان التابعي الجليل سعيد بن جبير إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه، وكان يقول: “لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر”، يقصد قراءة القرآن، وصلاة الليل، وأعمال الخير في الليل والنهار.
السبب في امتياز العشر من ذي الحجة عن غيرها:
يقول الإمام ابن حجر: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره من الأيام أو الشهور.
ويقول ابن رجب الحنبلي: “لما كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنينا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرا على مشاهدته كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين.