المسئول عنهما كلاهما الآن بين يدي الله تعالى ، وكفى بالله قاضيا.

ولما سئل عمر بن عبد العزيز عما وقع بين الصحابة من حروب، قال كلمته الشهيرة: تلك دماء طهر الله منها أيدينا، فلنطهر منها ألسنتنا!
فكيف يليق بأمثالنا أن ينصبوا أنفسهم قضاة على ما كان بين الصحابة .
وقال : (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ، و إذا ذكرت النجوم فأمسكوا ، و إذا ذكر القدر فأمسكوا) . ( ذكره الألباني في صحيح الجامع

هل يجوز الطعن في الصحابة

من منهج أهل السنة والجماعة الإمساك عن ذكر هفوات الصحابة ، وتتبع زلاتهم ، وعدم الخوض فيما شجر بينهم .
قال أبو نعيم رحمه الله : (( فالإمساك عن ذكر أصحاب رسول الله ، وذكر زللهم ، ونشر محاسنهم ومناقبهم، وصرف أمورهم إلى أجمل الوجوه ، من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسان ، الذين مدحهم الله عز وجل بقوله : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )) .

ويقول أيضا في تعليقه على الحديث المشار إليه : (( لم يأمرهم بالإمساك عن ذكر محاسنهم وفضائلهم ، وإنما أمروا بالإمساك عن ذكر أفعالهم وما يفرط منهم في ثورة الغضب وعارض الوجدة )) . ( الإمامة 347 ) .

إذا فالإمساك المشار إليه في الحديث الشريف إمساك مخصوص يقصد منه عدم الخوض فيما وقع بينهم من الحروب والخلافات على سبيل التوسع وتتبع التفصيلات ونشر ذلك بين العامة ، أو التعرض لهم بالتنقص لفئة والانتصار لاخرى . ( منهج كتابة التاريخ الإسلامي لمحمد بن صامل 227 ) .

ماذا علينا تجاه الصحابة

نحن لم نؤمر بما سبق، وإنما أمرنا بالاستغفار لهم ،ومحبتهم ، ونشر محاسنهم وفضائلهم ، وإذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلابد من الذب عنهم ، وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل . ( منهاج السنة 6 / 254 ) .
وهذا مما نحتاجه في زماننا ، حيث ابتليت الأمة المسلمة في جامعاتها ومدارسها بمناهج – يزعم أصحابها الموضوعية والعلمية – تخوض فيما شجر بين الصحابة بالباطل دون التأدب بالآداب التي علمنا إياها ربنا عز وجل ورسوله .
وكذلك وللأسف وصلت هذه العدوى إلى بعض الإسلاميين ، حتى إن بعضهم يجمع الغث والسمين من الروايات حول الفتنة التي وقعت بين الصحابة ، ثم يبني أحكامه دون الاسترشاد بأقوال الأئمة الأعلام وتحقيقاتهم .

حجر بن عدي وسبب قتله

حجر بن عدي الكندي عده البخاري وآخرون من التابعين، وعده البعض الآخر من الصحابة، وكان من شيعة علي في الجمل وصفين. وروى ابن سيرين أن زيادا- وهو أمير الكوفة– خطب خطبة أطال فيها، فنادى حجر بن عدي الصلاة! فمضى زياد في خطبته، فحصبه حجر وحصبه آخرون معه. فكتب زياد إلى معاوية يشكو بغى حجر على أميره في بيت الله، وعد ذلك من الفساد في الأرض. فكتب معاوية إلى زياد أن سرح به إلي … فلما جيء به إلى معاوية أمر بقتله. فالذين يرون أن معاوية قتله بحق يقولون: ما من حكومة في الدنيا تعاقب بأقل من ذلك من يحسب أميره وهو قائم يخطب على المنبر في المسجد الجامع، مندفعا بعاطفة الحزبية والتشيع. والذي يعارضونهم يذكرون فضائل حجر ويقولون كان ينبغي لمعاوية أن لا يخرج عن سجيته من الحلم وسعة الصدر لمخالفيه. ويجيبهم الآخرون بأن معاوية يملك الحلم وسعة الصدر عند البغي عليه في شخصه، فأما البغي على الجماعة في شخص حاكمها وهو على منبر المسجد فهو لا يملك معاوية أن يتسامح فيه، ولاسيما في مثل الكوفة التي أخرجت العدد الأكبر من أهل الفتنة الذين بغوا على عثمان بسبب هذا التسامح، فكبدوا الأمة من دمائها وسمعتها وسلامة قلوبها ومواقف جهادها تضحيات غالية كنت في غنى عنها لو أن هيبة الدولة حفظة بتأديب عدد قليل من أهل الرعونة والطيش في الوقت المناسب.