مشروعية التداوي والأخذ بالأسباب :

يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر-رحمه الله- :

التداوي سبب مِن الأسباب التي يَتحقَّقُ بها الشفاء بإذن الله تعالى، وقد قَرَنَ الله الأسباب بمُسبَّباتها، فلا يَقع شيءٌ إلا بحُصول سببه، اللهمَّ إلا إذا كان هذا الشيءُ خارقًا للعادة أجراه الله على يَدِ نبيٍّ مُرْسَلٍ. وإذا كان الأمر كذلك فلابدَّ من الأخْذ بالأسباب، والتوكُّل على الله لا يُنافي الأخْذَ بالأسباب كما يَظنُّ بعض الحَمقَى، بل هو التوكُّل الحقُّ. فمَن لم يأخذ بالأسباب فهو مُتواكِل وليس بمُتوكِّل.

السنة النبوية تدعو إلى التداوي :

وقد وردتْ أحاديثُ كثيرةٌ تدعو إلى التداوي منها :

(أ) ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لكلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دواءُ الداءِ بَرِئَ بإذْنِ الله عز وجل” (أي إذا عُرِفَ دواء الداء وعُثِرَ عليه واستعملَه المريضُ بَرِئَ مِن دَائه بإذن الله. تقول: أصبتُ الشيء. أيْ عرفتُه وحصلتُ عليه، وأُصِيبَ فعل ماضٍ مبنيٌّ للمجهول).

(ب) وفي الصحيحَينِ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أنزَلَ اللهُ من داءٍ إلا أنزلَ له شِفاءً”.

(ج) وروى أحمد في مسنده عن أسامة بن شَريك قال: كنتُ عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجاءت الأعرابُ فقالوا يا رسول الله: أنَتَدَاوَى؟ فقال: “نعمْ يا عبادَ الله تَداوَوْا، فإنَّ اللهَ ـ عز وجل ـ لم يَضعْ داءً إلا وَضَعَ له شِفاءً، غيرَ داءٍ واحد” قالوا: ما هو؟ قال: “الهَرَمُ. (الشيخوخة وكِبَرُ السنِّ).

(د) وروى أحمد في مُسنده وابن ماجه في سُننه من طريق صحيح عن أبي خُزامة قال: قلتُ: يا رسول الله، أرأيتَ رُقًى نَسترقِيها، ودواءً نَتداوَى به، وتُقاةً نَتَّقِيهَا، هل تَرُدُّ مِن قَدَرِ الله شيئًا؟ فقال: “هِيَ مِن قدَر الله”.

حكم من يحتج بالقدر في عدم التداوي :

ونقول لمَن يَحتجُّ بالقدَر في عدم التداوي :هذا يُوجِبُ عليك ألا تُباشرَ سببًا مِن الأسباب التي تَجلبُ بها مَنفعةً أو تَدفع بها مَضرَّةً، فلا تأكلْ ولا تَشربْ، إذْ لو شاء الله أشبعَكَ مِن غير طعام وأرْوَاكَ مِن غير ماء ، ولا تَسْعَ لجَمْع رِزقك فإنَّ اللهَ لو شاء لرَزقك مِن غير عمَل ولا جهد، ويكون حالُك كحال الكفار في اعتذارهم من أجل إبطال حُجَّة الرُّسُل: (وقالُوا لو شاءَ الله ما أشركْنا ولا آباؤُنا ولا حَرَّمْنَا مِن شيءٍ) (وقالوا لو شاءَ الرحمنُ ما عبَدْناهُمْ) … إنَّ في ترْك الأسباب خرَابًا وإفسادًا للعالَم، والاعتذار بالقدَر حُجةُ مَن لا حُجةَ له .