عداوة الشيطان لآدم وذريته قديمة فقد أسكن الله آدم وزوجته في الجنة فجاء الشيطان إلى آدم وزين له المعصية فأطاعه آدم يظنه صادقاً فعصى آدم ربه وأخرج من الجنة ثم تاب الله عليه وقد حذرنا الله من طاعة الشيطان فقال : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ) الأعراف.
وقد طلب الشيطان من الله تعالى أن يمهله حتى يقوم بإغواء ذرية آدم عليه السلام فأجاب الله طلبه وحذرنا من اتباع خطواته ، ومن المداخل التي يدخل بها الشيطان على الإنسان مدخل المال والأبناء فقد قال الله تعالى للشيطان في سورة الإسراء : { وشاركهم في الأموال والأولاد } ، وهذا يشمل كل معصية تعلَّقت بأموالهم وأولادهم .

يقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد :
شِركته في الأموال : إنفاقها في معصية الله ، قاله الحسن ، وقيل : هي التي أصابوها من غير حلها ، قاله مجاهد .
قال ابن عباس : ما كانوا يحرِّمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وقال الضحاك : ما كانوا يذبحونه لآلهتهم .
وعن ابن عباس ومجاهد : هو ما أمرهم به من إنفاق الأموال في معاصي الله تعالى ، وقال عطاء : هو الربا ، وقال الحسن : هو جمعها من خبيث وإنفاقها في حرام ، وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أما مشاركته إياهم في أموالهم : فهو ما حرَّموه من أنعامهم ، يعني : من البحائر والسوائب ونحوها ، وكذا قال الضحاك وقتادة .
قال الطبري :
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : عنى بذلك كلَّ مالٍ عصى الله فيه بإنفاقٍ في حرام أو اكتسابٍ من حرام أو ذبحٍ للآلهة أو تسييبٍ أو بحرٍ للشيطان [أي يحرمون هذه الأشياء ولم يحرمها الله تعالى ]وغير ذلك مما كان معصيا به أو فيه ، وذلك أن الله قال { وشاركهم في الأموال } فكلُّ ما أطيع الشيطان فيه من مالٍ وعصى الله فيه فقد شارك فاعل ذلك فيه إبليس فلا وجه لخصوص بعض ذلك دون بعض ..انتهى
أما مشاركة الشيطان في الطعام والشراب – ويضاف إليه المشاركة في المبيت في البيوت وهي من الأموال – لمن ترك التسمية فقد جاء ذلك في حديث جابر بن عبد الله أنه سمع النبي يقول : ” إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت ، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء .رواه مسلم .
وعن حذيفة قال : كنَّا إذا حضرنا مع النبي طعاماً لم نضع أيديَنا حتى يبدأ رسول الله فيضع يده ، وإنَّا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله بيدها ، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع ، فأخذ بيده فقال رسول الله : ” إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذتُ بيدها ، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذتُ بيده ، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها . رواه مسلم .
قال النووي :
ثم الصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث ، وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها ، وأن الشيطان يأكل حقيقة ؛ إذ العقل لا يحيله والشرع لم ينكره بل أثبته ، فوجب قبوله واعتقاده ، والله أعلم . ” شرح مسلم ” .

والخلاصة :
أن القول الصحيح في معنى الآية أن تحمل على الوجوه السابقة في تفسيرها ، إذ لا منافاة بين معانيها ، وقد ذكر كل واحد من السلف فرداً من أفراد معانيها ، ولا مضادة بينها ، والقاعدة في مثل هذه الحال : حمل الآية على معانيها جميعها .